رمزي علم الدين ابتسامة تسابق الذكاء

Views: 439

مروان اسكندر

أهل رأس بيروت حينما كانت بيروت هادئة سياسياً ومتفجرة بالأفكار والنشاطات، وحينما كانت حياة بيروت تزخر بمحبة السكان لبعضهم وتعلقهم بالجامعة الأميركية ومناخها، كان رمزي علم الدين يقيم في منزل واقع في مبنى مشيد على الطراز الايطالي يتمتع بغرف واسعة وسقوف عالية وتمتد أمامه حديقة تزخر بالأزهار والأشجار المثمرة.

كان رمزي كما الكاتب تلميذاً في الجامعة الأميركية وذلك بعد انجازه الدراسة الثانوية في الثانوية العامة حيث كنا ندرس مع أساتذة أميركيين، ولبنانيين وفلسطينيين في مناخ من الألفة والتعاون.

كانت الرياضة من معالم وأسس دراستنا والاستمتاع بأوقات الراحة من متابعة المواضيع المختلفة وكنا نركز على علوم الحساب، والفيزياء واللغة والتاريخ والبعض من رعيل تلك الأيام كان ينتسب إلى جمعيات تعنى بالثقافة أو التمثيل، وفي الصيف ومع ارتفاع الحرارة كان علينا أن ننحدر مشياً إلى مسبح الجامعة الأميركية.

كان رمزي دائماً من أصحاب النشاط سواء المشاركة بفرق الرياضة أو انجاز التمثيليات وهو القريب عائلياً، من أهم من كتب التمثيليات المسرحيات في لبنان، سعید تقي الدين الذي تبقى كتاباته مميزة بلغتها ومناخ أبطالها.

لم تركز هذه العائلة على العصبيات الطائفية، بل انهم كانوا كما قريبهم المقيم بينهم على آمال اللبنانيين في مستقبل أفضل وكنا جميعاً في الثانوية العامة من المؤمنين بأن المستقبل واعد وأن التعصّب مرض شنيع. وكان سعيد تقي الدين بين من نتأمل في لقائه والحديث معه، وبسبب قرابة رمزي له كنا نتجاسر على زيارته دون دعوة، وهو يستقبلنا بالترحاب، وكان صاحب عادة تستوجب العناية بتأثيرها. فهو كان يدخن السيجارة وقبل إطفاء إحدى السجائر كان يشعل السيجارة التالية، وفي أحيان عديدة كان يقذف بالسيجارة دون أن يداري تأثير استمرار اشتعالها، فيسارع رمزي إلى إطفاء السجائر، ومن ثم تجميعها لديه في الزبالة.

 

ربما من أجمل صفات تلك الفترة حيث التآخي كان سيد الموقف بتشجيع من والدة رمزي صاحبة الشخصية القوية وزوجها اللطيف الناشط عملياً في محيط الجامعة الأميركية، وجيران عائلة علم الدين كان من بينهم الأستاذ جبرائيل جبور، الأستاذ المميز للغة العربية والتاريخ العربي، والدكتور قسطنطين زريق المثقف الكبير، والدكتور جورج حكيم، والدكتور ينّي كوميشان والدكتور الفرد دیاب، وغالبية هؤلاء الكبار اختاروا السكن في رأس بيروت وعلى مقربة من شارع الحمراء.

تزوج رمزي من الصبية أسما فتح الله بعد تخرجه من الجامعة ورزقا بشابين مميزين بالشكل والعلم والنجاح، لكن الفراق بين الأهل حصل، ومن بعد، وكان ذلك بعد عودتنا أنا وزوجتي منى من أوكسفورد آخر صيف 1966. تعلق رمزي بشابة كانت تعمل بشجاعة في حقل الصحافة وهي زوجته الحالية بارعة مكناس والدة أمل، المحامية الدولية وزوجة جورج كلوني الممثل المعروف عالمياً، وشقيقتها التي أصبحت من مبتكرات الأزياء النسائية والتي تعمل على نطاق عالمي واسع ولديها مخزن معروف في دبي، وكان رمزي خلال الحرب المستعرة في لبنان بين القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية قد غادر إلى دبي لمتابعة عمله في نطاق تنظيم السياحة على مستوى دولي، وكان مكتبه للسفريات من الأنشط في بيروت، وكنت أنا مستشاراً للشيخ نجيب علم الدين الرجل الذي وسع نشاطات طيران الشرق الأوسط وطورها وكان له معزة لرمزي ولي شخصياً.

قبل اندلاع الحرب بيومين استطعت إقناع رمزي وعائلته بأن يرافقاننا إلى الرابية، حيث أهل منى يملكون منزلاً واسعاً، ويشمل بركة سباحة وملعب تنس، وقد قضينا في الرابية مع رمزي وعائلته حوالي أسبوع، ومن ثم انتقلنا برفقة عشرات اللبنانيين، وعلى متن بارجة أميركية إلى قبرص، ومنها نسمع على بعد كيلومترات انفجارات القصف العنيف في بيروت، وفي قبرص استطعنا استعادة بعض الهدوء والتفكير في المستقبل وتوزعنا ما بين من سافروا إلى باريس (منى وأنا وابننا سامر) وعائلة رمزي الذين توجهوا إلى لندن حيث لشقيق بارعة اکرم مكتب تمثيلي ناشط، ورمزي توجه إلى دبي.

استعدنا رمزي وأنا التواصل في بيروت وتعاونا في انتخابات جمعية متخرجي الجامعة الأميركية، واستعدنا رابطة الصداقة والتقدير وتطلعنا إلى مستقبل آمن وليس بالضرورة مزدهراً… واليوم نقول أن آمالنا تبخرت وأبنائنا ينشطون في مختلف بلدان العالم سواء في باريس، أو لندن أو نيويورك، وبلدنا الحبيب ممزق لأن قيادته ليست على مستوى طموحات أهله.

وتبقى الصداقة قائمة مع رمزي وزوجته وأبنائه من زواجه الأول وقد حضرنا حفلة عشاء بمناسبة زواج ابنته من جورج كلوني في لندن وأتيح لي تبادل نكتة معه بمساعدة رمزي وهو في الواقع إنسان جذاب وأنيس.

30/ 4/ 2021

***

*من كتاب “إحكي جالس… مذكرات” لرمزي علم الدين الصادر حديثًا عن دار نلسن. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *