الشعر حافظ الفلسفة وحامل مسائلها الأمين!

Views: 434

أنطوان يزبك

للشعر طاقات جبّارة لا حدود لها. طاقات غير منظورة في محاولات العقل الحثيثة من أجل اكتناه المسائل المعقدة والصعبة على الفهم، والتي تبدو مستعصية،  ولكن مع الخيال الخارق والكثير من الموهبة، بمقدور الشعر أن يفعل فعله ويقوم بمعجزات و أن يصل بالأفكار إلى مسافات بعيدة، ويطرق أبوابًا ويعبّر عن أفكار دهرية  مغلقة وعصيّة على التعبير. لقد قال أرسطو في علم الفرضيات :

عندما نضع لأنفسنا مثلا عليا، يمكننا ان نفترض ما نشاء شرط أن نتجنّب المستحيلات..

ومع ذلك نجد في اللغة الشعريّة الراقية والعميقة أن ليس هنالك من مستحيل ،  خاصة في وصف الكون والوجود والحياة ومصير الإنسان وكلّ ما هو مجهول وعصيّ على الفهم..

يقول الناقد والشاعر لويس الحايك في قصيدة ” تدور ولا تدار”:

 تدور بنا الحياة ولا تدار

كمرآة الزمان لها مراء

 

فإن عثرت فكبوتها قضاء

وإن قامت فقومتها عداء

 

وإن مرّت مرورا في مكان

فغايتها ضياع أو فناء…

 

في هذه القصيدة العذبة في ظاهرها ، الصعبة في باطنها؛ اختصارات لمسائل فلسفيّة كونيّة متعدّدة: هل هناك قوّة ميتافيزيقية تسيّر الكون؟، هل الإنسان مسيّر أم مخيّر ؟ ما هو القضاء والقدر وماذا يترتّب على الإنسان من لعبة الأقدار وعبثها الأعمى الذي لا يني يحصد البشر بلا شفقة ومن دون هوادة ؟هل مآل الوجود الفناء والانحلال وهلمّ جرّا؟ !….

وايضا يقول جلال الدين الرومي في مسألة استحالة لقاء العاشقين ومعاكسة الأقدار لهم ما يلي:

هل ضرّ هذا الكون نبض لقائنا

أم أن هذا الحزن أدمن اضلعي

قل للمسافات البعيدة بيننا

أرجو بحق الله أن تتواضعي…

كم من عاشق وعاشقة قد اضناهما البعاد عن بعضهما البعض.وكم من حبيب ذاب صبابة في افتراقه عن  الحبيب، وثمّة لازمة أنه في الغالب يرحل عنّا من أحببنا مثل لعنة سيزيف، أو لعنة فرعون أو  كمثل جريمة قتل من دون عقاب ، فيكون الحبيب في مكان بعيد دونه أميال وأميال.

هكذا نبض الشعر الفلسفي يحيلنا إلى أماكن مختلفة من العالم الفكري، ينقلنا إلى أجواء ملبّدة ومشاعر من الشك واليقين وفي الغالب سيّالات من الشكوك المغرضة والحرقات المقرونة   باللّوعات !

يقول الشاعر دكتور جوزيف الصائغ في قصيدة ” ثلج” من مجموعة ” منسيّات”:

يمتدّ في البعيد صدى

فيزيد بعدا في المدى

 

وترجع الأرجاء أصواتا

سدى ، تمضي سدى

 

في صفحة بيضاء غاب

السكون، لاح المبتدى

 

في شبه شيء غامض

حملته غربان الردى…

 

أي رؤى هي هذه الأبيات !؟ أي رهبة فوقية كامنة فوق الكينونة والوجود والكون وسط أرض يباب ونهيويات نورانيّة ، كلام قوي نفّاذ ترتعد له الأبدان وترفّ له الأجفان وتشيب له الولدان ،

كلام يضعك في مكان بين الأرض والكون في منطقة الاشباح في اليونبوس، في اشتعال براكين القيامة وخلاء هامد ساكت في آن…

في الشعر كما في الفلسفة لحظات حرجة حيث تطرح التساؤلات ونعرف مسبقا ان لا جواب عليها ولكن الجميل أننا لا نتوقف عن التفلسف ولا عن نظم الأشعار والقصائد التي تطرح أسئلة روحيّة وجوديّة فلسفيّة وتأمليّة..

 يقول ماركوس اوريليوس بدوره :

“حين سيموت الاسكندر المقدوني وسائس بغاله ، سيصلان إلى النقطة ذاتها ؛ أم أنهما سيعودان إلى الأصول التي تكوّن منها العالم ، أو أنهما سيتحوّلان إلى ذرّات متشابهة .؟!!….

علم ذلك لدى الفلاسفة والشعراء! ….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *