الإعلام في لبنان… حرّية الكلمة والرسائل الهادفة بتأثيراتها العميقة

Views: 11

ألعميد الركن صلاح جانبين

يُقصد بالإعلام كل المؤسّسات الإعلامية والإعلاميين من الكتّاب والمحررين والمهندسين والصحافيين والمصورين والعاملين والمسؤولين فيها والقيمين عليها؛ هو الوسيلة الرئيسية للتواصل مع الأفراد وتزويدهم بالمعلومات الضرورية للتصرّف بطريقة سليمة ما يُساهم في تعزيز وعيهم وتفاعلهم مع المجتمع؛ أُطلق على الإعلام مصطلح “السلطة الرابعة” نظرًا لدوره الفاعل في تعميم المعرفة والتوعية والتوجيه، والتأثير العميق في أفراد المجتمع وخلق وصناعة الرأي العام والتحكّم فيه بما يُتاح لهم لذلك سبيلاً.

 وهو مجموعة القنوات والإذاعات المستخدمة في الإخبار، وتبادل الآراء والأفكار، وتصوير ونقل ونشر الحقائق المرتبطة بمستجدات الأحداث على اختلافها، والتوجيه والإبلاغ والإفادة عن أمر أو معلومة ما بواسطة الراديو أو التلفاز والسينما والقنوات الفضائية (المسموعة والمرئية)، أو الصحافة المكتوبة أي المقروءة (كالصحف والمجلات والدوريات والمنشورات على اختلافها والملصقات بمختلف أنواعها)، أو بواسطة الإنترنت والوسائل الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي كالحواسيب والهواتف الخلوية والبرامج المعدّة لهذه الغاية على تعددّها وانتشارها؛ قد يكون سياسيًا، إعلانيًا، تسويقيًا أو ترويجيًّا، اجتماعيًا، خدماتيًا، اقتصاديًا، ماليًا، رياضيًا، تربويًا، تثقيفيًا وتعليميًا، ترفيهيًّا، أمنيًا، عسكريًا،…، وقد يكون توجيهًا وإرشادًا أو تحذيرًا وتنبيهًا، بغرض الإستفادة وأخذ العلم لما فيه مصلحة الدولة والمواطن على حدٍّ سواء.

والإعلامي الناجح هو الشخص المسؤول الذي يحافظ على مصداقية الكلمة والرسالة الهادفة إعدادًا وتحليلًا وتحريرًا بكفاءة مهنية عالية، قبل نقلها ونشرها في الوسائل الإعلامية بشفافيّة ووضوح تامّ، التي وبالرغم من تعدّدها واختلاف توجّهاتها أي الوسائل المذكورة، تكون عادةً منظَّمات غير ربحية، عامة أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، تقوم بمهمة تكوين الرأي العام وتنميته بمختلف المجالات، بتقنيات وأساليب مختلفة، بخاصة مع التحديث والتطوّر التقني والتكنولوجي في العالم. 

 

تأثيرات الإعلام الإيجابية 

ترتبط بوسائل الإعلام مجموعة من المفاعيل الإيجابية الهادفة التي تُؤثّر على مُختلف مجالات الحياة والوصول إلى معظم الناس بسرعة فائقة، كبناء الشعور النفسي العام للمجتمع، المتمثّل بالوطنية والولاء للدولة، والتخطيط لحلّ المشكلات المعترضة الآنية والمستقبلية، والقدرة على تحقيق أكبر قدر من الديموقراطية في المجتمع من خلال إتاحة المساحات الحرة للحديث، للمساعدة على تشكيل الرأي العام، وتوفير معلومات كثيرة عن القضايا المطروحة، كما دورها أيضًا في تحجيم الغزو الفكري والثقافي المعادي الذي يهدّد أمن الوطن والوحدة الوطنية باستمرار.  

كما لوسائل الإعلام عامة الدور الأساسي بالتعريف بحضارة الدولة للشعوب الأخرى، وتشجيع السياحة وتبادل الخبرات بخاصة على القنوات المرئية منها، أكثر من الوسائل المسموعة والمكتوبة، والتسويق والدعايات الإعلانية للمنتجات التجارية، ما يُؤدّي إلى التنمية الاقتصاديّة والسياحية، والبرامج الاجتماعيّة كاستخدام أساليب تُساعد على إقناع الناس في العديد من الأفكار، أو السياسيّة كالمشاركة في الحملات الانتخابيّة للمُرشحين لشغل مناصب سياسيّة والدعايات الإعلانية والإعلامية والبرامج السياسية والخطابية، ما يُساهم في تعزيز فرصة المرشح للنجاح ودخوله الندوة البرلمانية، أو التربوية كالتعلّم عن بعد وبثّ البرامج التعليمية الدورية على الشبكة العنكبوتية، حيث التقنيات وتكنولوجيا الأقمار الصناعية التي كسرت حواجز المكان والزمان، وأدّت إلى التقدم والنمو والتطوّر الاقتصادي، أو التعاميم الأمنية كإلقاء القبض على مجموعة من مهرّبي المخدّرات وضبط مرتكبي الجرائم وإحالتهم إلى القضاء المختّص لنيل العقاب اللازم لطمئنة المواطن وإراحته بأنَّ الدولة وقواها الأمنية تمثّل العين الساهرة على أمنه واستقراره، أو التحرّيات والقبض على المرتشين في الوظائف العامة والمزوّرين للعملات، وملاحقة الفاسدين والمرتكبين للمخالفات والتشهير بهم عبرة لغيرهم ولمن تسوّل له نفسه العبث بالأمن.

 

تأثيرات الإعلام السلبية 

مما لا شكَّ فيه وكما كل المؤسّسات والمنظمات والوسائل لها الكثير من الإيجابيات التي يُعمل على تحسينها وتطويرها، لها أيضًا من الجهة المقابلة أو الموازية الكثير من السلبيات التي من المفترض العمل على تجنّبها وتلافيها، بخاصة بعض وسائل الإعلام غير الهادفة وقد لا تكون لبنانية، إنما تعمل وتُبث في الفضاء اللبناني، تأثيراتها السلبية المتعدّدة، كالتشتّت الفكري والثقافي بين الشباب بسبب تلقّيهم معلومات مغلوطة أو معلومات مفبركة تثير الفتنة داخل الدولة كالتصويب والتسليط على النعرات الطائفية، وتنشر العداء في المجتمع لتحفيز الصراعات والنزاعات بين الأفراد والجماعات، ناهيك عن تقديمها إغراءات مالية بأساليب محبّبة، ومستحسنة من قبل الجيل الشاب عن غير قصد أحيانًا، أو عن قصد وتصميم مسبق في أغلب الأحيان، بهدف إنشاء جيل ضائع يتلهّى بملذّات الحياة من دون التفكير لعملهم ومستقبلهم، وأيضًا من خلال بث البرامج والمقاطع غير المدروسة بذريعة الديمقراطية وحريّة الكلمة والنشر والتعبير، ضاربين عرض الحائط ما يتميّز به لبنان من تعددية في طوائفه وأحزابه ووسائل إعلامه وتوجهاتها السياسية المختلفة بل الخلافية الحادة، حيث لكل طائفة خصوصية وهوية سياسية وثقافية ودينية خاصة بها، ما يؤثّر على إنتاجية الشباب في أعمالهم، الذي يؤدي إلى التهوّر والضياع وذلك بسبب ذلك الإعلام المتحيّز والقاصر غير المسؤول، الإعلام المتحرّر من القيم والمبادىء الأخلاقية والتعاليم الدينية الذي لا يعتمد على حقائق واقعية فحسب، بل يتجاهل أيضًا أساليب التأثير على الجمهور، ويدعو إلى مذهب سياسي خاص به من خلال التلفيق والتزوير والإهانة من دون  رقيبٍ أو حسيب رادع، حتى لو أظهر بعض الحقائق سيُنظر إليها بعين الريبة والحذر، ما يصعب التحكم في المحتوى، وتصبح سلامة الرسالة موضع شكّ، وبالتالي يصبح من الصعب تدريجيًا فهم ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. كما يتيح ذلك الإعلام المشاركة في مجموعات ذات توجّهات عنصرية وغير أخلاقية وشذوذ وفساد اجتماعي، ما يؤدي إلى انهيار قواعد السلوك المهنية وحدوث الفوضى الإعلامية. (Xanax)  

 

فضلًا أنَّ لكل وسيلة إعلامية مميزاتها وعيوبها، غير أنَّه وبالمختصر لا يمكن تحميل الإعلام كامل المسؤولية، بل الفرد المستخدم لتلك الوسائل ومع كل ما قيل ويقال، يبقى المسؤول الوحيد عن نوع التأثير الذي يحيط به، الذي يختلف باختلاف الفئة العمرية المستخدِمة، كالأطفال والشباب، أو كبار السنّ، والمثقفين المتعلمين، والأفراد ذوي المستوى التعليمي المحدود وغيرهم من الفئات.

فأين نحن من الإعلام والمؤسّسات الإعلامية التي تنقل الوقائع من دون أي تزييف أو تحريف أو استغلال، وهو ما يُسمى بالأخلاق الإعلامية، الذي رافق مهنة الصحافة منذ نشأتها وتطوّر معها عبر الزمن؟ 

أين نحن من الصحفيين الذين يلتزمون بالحقيقة مهما كانت النتائج المُترتبة على كشفها، وذلك لِحقّ المواطن بشكل خاص والمجتمع بشكل عام في معرفتها من دون تحيّز وبجرأة من دون خوف؟

أين نحن من قول “مالكوم إكس” (المدافع عن حقوق الإنسان، والمناضل من أجل العدل والمساواة) بأنَّ وسائل الإعلام “هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير”.

فهل غابت القيم الأخلاقية لدى القيمين على بعض المؤسّسات الإعلامية والإعلاميين، وبتنا أمام رشاوى مادية ومعنوية، حيث طغيان المصلحة الشخصية والسعي للمكاسب النفعية، على حساب دور الإعلام ومساهمته في عملية نمو وتطوير المجتمع؟ 

وهل أصبح الوصول إلى الحقيقة، وإيصالها إلى الجمهور وممارسة الدور الرقابي على المؤسّسات العامة، والتصدّي لمظاهر الفساد والتفتيش والإستقصاء عنها وكشف الإنحرافات وملاحقة وفضح الجرائم ومرتكبيها، وكشف حالات استغلال السلطة أمرًا من الصعب تحقيقه بسبب التشتّت والتناحر والتحيّز الإعلامي؟ 

هل فعلًا باتت بعض وسائل الإعلام تطبّق ما قاله “مالكوم إكس” بجعل المذنبين أبرياء، والأبرياء مذنبين، أو تفوّقت على ما قاله أيضًا بجعل المذنبين أبطالًا؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *