الأبعاد الفلسفية للمذاهب والعقائد الفكرية

Views: 359

وفيق غريزي

ما هي العقائد الايمانية، وما هو المعنى الذي تحتويه؟ وما هي المذاهب الفكرية عند البشر؟ اسئلة تراودنا ولا نجد لها اجوبة وافية توقف هذا السؤال، من هنا نجد الباحث حسّان شهاب الدين يفتح لنا بابا في توضيح هذه الأبعاد الفكرية في كتابه “العقائد الايمانية والمذاهب الفكرية عند البشر”.

إن معرفة الأبعاد الفكرية والفلسفية للعقائد والمذاهب تسهل على الانسان الوقوف على الحقائق الايديولوجية المسببة لأكثر الخلافات التي تعصف بالعالم،ولذالك رأى المؤلف أنه من الضرورة الثقافية أن يضع بين أيدينا هذا الكتاب الذي يتناول هذه الموضوعات بموضوعية تمكننا من أخذ فكرة عن اشمل العقائد السماوية وغير السماوية، وعن اهم المذاهب الفلسفية من سقراط حتى الفلسفة الظواهرية.

 

البوذية

يرى الباحث شهاب الدين أن البوذية تعتبر في عالم الفكر اسلوب حياة اكثر ما هي تأمل وعقيدة وايمان،لقد اعتنقها الاسيويون من سكان التيبت والنيبال والهند وجاوةوسومطرة، وكانت كتبهم المقدسة باللغة السنسكريتية. وتؤكد البوذية على وحدة الوجود، وهذا يعني أن للكون روحا واحدة منتشرة في جميع انحاء الكون، وهذه الروح لا ينغصها سوى اختلاف الرغبات والاحساسات الموجودة بتمايز عند الافراد على اختلاف انواعهم، كالإنسان والحيوان والنبات. وتشير البوذية إلى أن مبعث الحروب والألم هو في الإنساني والانقياد للرغبات التي تكمن غريزيا في كل فرد،أما الملاءمة والسلام فلا يكونان إلا بالتحرر من قيود الرغبات والتفلت من براثنها ليكون التوحّد في الروح العام.

ولقد أشرف على المتنوّر (بوذا) نور الحق، وانبأه أن شقاء الحياة وعناءها وضجرها وفسادها منبعث من داخل الانسان، من رغبات النفس، وان الانسان قادر على أن يكون سعيدا إذا كان سيد رغباته لا عبدا لها، وفي استطاعته الافلات من عبودية هذه الرغبات بقوة الثقافة الروحية الداخلية، ومحبة الآخرين. ووضع بوذا ثمانية شعب لتحقيق ذلك وهي: الاراء السليمة -الشعور الصائب – القول الحق – السلوك الحسن – الحياة الفضلى – السعي المشكور – الذكر الصالح – والتأمل الصحيح.

 

الفلسفة الصينية

اولى المذاهب الفكرية في الصين الكونفوشيوسية – وهي اكبر العقائد الشرقية واوسعها انتشارا لدى الشعب الصيني وتعود نشأتها إلى ماقبل الميلاد لتشكل حضارة مستقلة نسبيا. وحسب رأي الباحث فان اهم ما في الكونفوشيوسية من مبادىء هو تعاليمها الاخلاقية ونظامها التربوي الصارم، هذا النظام اعتمد ثلاثةمبادىء اساسية في بناء الفرد، المبدأ الأول هو مبدأ الطاعة، وهي ثلاثة انواع: طاعة الولد لوالده، للحفاظ على نظام العائلة – وطاعة الشعب للحاكم للحفاظ على النظام العام – وبر الجماعة واحترام المسنين. أما المبدأالثاني فهوتأكيد الملكية وجعلها اساسيات العدالة. والمبدأالثالث هو اعتبار الأخلاق والدين والسياسة شيئا واحدا، خصوصا في البناء الايديولوجي للإنسان، واكد كونفوشيوس اهمية عقد النية في سبيل بلوغ القصد وتحقيق الفضيلة، لأن عمل الفضيلة لا يكون عرضيا ولا تلقائيا، انما هو خيار عاقل يسبقه

التفكير والتقدير. اما العقيدة اللاوتسية، فهي عقيدة دينية صينية اسسها الفيلسوفلاوتسي، وعرفت بالقانون السماوي الأعظم، وهو اصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات. وهو طريق الحقيقة المطلقة في هذا الكون العجيب. وحسب اعتقاد الباحث فان اللاوتسية تؤمن بموضوعية الحياة لأنها صادرة عن القانون السماوي فهي فعله وهيبته، والحياة لا يصنعها الانسان برغم تقدم معرفته العلمية وقدراته التكنولوجية.

 

الفلسفة الوجودية

بعد أن حدثنا الباحث عن المادية ومداركها قديما وحديثا، وعن ارادة الحياة عند الفيلسوف الالماني ارثر شوبنهاور وارادة القوة عند نيتشه، يوصلنا إلى الفلسفة الوجودية، التي هي وليدة النظام الرأسمالي. وحسب اعتقاد الباحث ان اكثر الوجوديين اشتهارا هو الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي تكرّست على يديه فكرة الفلسفة الوجودية بمظهرها المتطور، فهو يعرِّف الوجودية بأنها مذهب انساني.ويشير سارترالى أن الوجودية لا ترى أن الانسان مقيد بأي أمر يأتي من خارج النطاق الذاتي للإنسان، وهي لا ترى من البراهين ما يثبت وجود ما هو فوق التجربة الانسانية، والتفسيرات التي يضعها الانسان نفسه للوجود ككل. فهي تقول بأن الانسان يفسر الاشياء بنفسه، وهنا يقول الباحث:

” لا شك أن العبثية هي جوهر الوجودية كفكرة فلسفية تنادي بالحرية، والحرية فقط، لأن الماهية عندها لا تتحقق الا بها،والماهية هي غاية وهدف تنشده كل الاجزاء في الوجود، وعليه فليس من قيم ثابتة، منزلة او سابقة للوجود، والوجود الحقيقيالمتجدد دوما بالشكل والمعنى. ومن المدارس الجديدة في الفكر الفلسفي الوجودي، مدرسة ظهرت في المانيا هي المدرسة “الظواهرية” على يد الفيلسوف ادموند هوسرل، الذي وضع مبدأين،احدهما سلبي والآخر ايجابي. عن المبدأ الأول يقول هوسرلبضرورة: “التحرر من كل رأي سابق، باعتبار أن كل ما ليس له برهان مادي موثّق فلا قيمة له. والمبدأ الثاني ينطلق من اعتبار وجوب الذهاب إلى الاشياء نفسها كما هي ظاهرة في الشعورظهورا بينا والأخذ بما هو ثابت كماهية مدرك بالحواس والعقل”. إن الظواهرية تشدد على أن الوجود والماهية شيء واحد، فلا ظاهرة من غير مضمون ولا مضمون خارج اطار الظاهرة. ومن ابرز تلاميذ هوسرل، الفيلسوف مارتن هايدغر وماكس شلر ونيكولاي هرتمان.

إن كتاب الباحث حسان شهاب الدين، يهدف إلى نشر روح المحبة والاخاء بين البشر على اساس حوار الحضارات، لا على اساس صراع الحضارات المرتكزعلى صراع المصالح والمطامع المادية ……

 

الفلسفة الاغريقية (اليونانية)

إن عبقرية أي فيلسوف من الفلاسفة، تعود إلى حبه الجارف للبحث عن الكلمة والحقيقة في هذا الكون الهائل الذي وجد نفسه يعيش فيه. ولم يحظ فيلسوف في العالم بمثل ما حظي به سقراط من الشهرة والمكانة، رغم التقريظ والحملة العدائية التي شنها عليه الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه، بحيث كانت نظرياته الفلسفية الجديدة سببا في محاكمته واتهامه بالكفر بآلهة اثينا وافساد معتقدات الناس، فصدر الحكم عليه بالإعدام.

ومن اولويات الاخلاق عند هذا الفيلسوف كما يرى الباحث، ونرى نحن، هو استشعار الواجب. والواجب عنده لا يمكن ان يكون دعوة إلى الضلال والمجهول بل هو علم وعمل بما هو عدل، حيث البداية مع حقيقة الرؤية الصحيحة للكون والانسان، وكانت نظرته إلى الطبيعة أن لكل شيء ماهية تتصفبها الاشياء وتتشكل على اساسها الانواع، اما وسيلةالمعرفة عند الانسان فهي العقل. ومن اراء سقراط المأثورة أن جهل الانسان هو الذي يدفعه إلى الايمان بتعدد الالهة،والى الخوف من الموت، لأن الجهل يدفع الانسان إلى الاعتقاد بأن الموت اقسى الوان الشرور في هذه الدنيا. أما تلميذه افلاطون، الأمين على تعاليمهووصاياه، فقد حمل آراء استاذه سقراط، ولولا افلاطون لما عرفنا سقراط.

 يقول الباحث عن مذهب افلاطون: ” كان مذهب افلاطون في النظر إلى الوجود مستندا على مبدأ نظريته في المعرفة، وهي عنده تبدأ بالمحسوس وصولا إلى المعقول، ومن ثم خضوع الأول إلى الثاني. ففي المعرفة جمع افلاطون بين الآراء التي سبقته فاخذ من السفسطائيين المعرفة الحسية، واعتبرها معرفة أولى،أي ادراك عوارض الأجسام اشباحها في اليقظة وصورها في المنام. والثاني الظن، وهو الحكم على المحسوسات بما هي كذلك. والثالث الاستدلال، وهو علم الماهيات الرياضية المتحققة فيالمحسوسات وقد اخذه عن فيتاغورس. اما الرابع، التعقل، فهو ادراك الماهيات المجردة من كل مادة، وهذه نظرة سقراط. اما نظرية افلاطون في الوجود فهي تصعد من المحسوس إلى المعقول، ويقول بالعلة، فالعلة الحقة عاقلة تلحظ معلولهاقبل وقوعه وترتب الوسائل اليه، فان شيئا لا يُفعل إلا اذا قصد، او تصويبه إلى غاية، والغاية لا تتمثل الا بالعقل، وعلى هذه الصخرة يتحطم كل مذهب الي “.

 

وبعد افلاطون برز تلميذه ارسطو (المعروف بالمعلم الأول) ولم يعرف فيلسوفاقبله اطلق عليه هذا اللقب. يرى ارسطو أن لكل موجود وظيفة يؤديها، فان الغاية العقلية هي وظيفة الانسان بما هو انسان، امّا الباحث فيقول: ” من هذه الفلسفة انطلق ارسطو إلى ما يعرف بغاية الوجود، وجود الوجود بثلاثة اسس: الأول واجب الوجود وهو الذي لا وجود بدونه ولا امكانية لعدمه ولا امكانية لتغيره. والثاني: ممكن الوجود وهو الذي يمكن أن يكون أو لا يكون، فهو وجود ممكن ويحتاج إلى صانع ومدبّر. والثالث: فهو مستحيل الوجود، اذ لا وجود الا بغاية”. وهذا يناقض المدرسة العبثية التي تعتبر الحياة والوجود هما في تحقيق اللذة المباشرة من غير المعنى الروحي او الغاية الروحية، ويؤكد ارسطو أن اللذة غاية العبيد والبهائم، ويشارك معهم طالبوها من السادة والاثرياء.أما الكرامة السياسية فيطلبها الممتازون النشيطون،وهى متعلقة بالذي يوليها اكثر من الذي يتقبلها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *