إلى الزوج والأب والصديق محمد علي الخطيب في أربعينيّته

Views: 395

ذُ‎ كاء الحر

 

 

“إن الفن لا يحيا إلا مصلوباً على جلجلة الألم” (إدمون روستان)

 

 

إلى الأنبل والأنقى والأرقى إنسانا ً وفنانًا  وزوجًا  وأبًا  وصديقًا 

(إلى محمد علي الخطيب في اربعينيته)

وفي فنّك تحد صارخ للموت، إذ رفعت أحلام أمّتك وآلامها بالأفكار التي كانت تأتيك صافية ً عارية ً، فتكسوها بضوء المعنى لا بليله.

وبدفء الروح كنت تُبعِد عن أمّتك برودة الموت وجفاف النّسغ.

أيها الغارق في هموم الوطن والإنسان والحضارة،  كنت رمزاً للعاشق الأبدي لأمّته، وسموت بهذا العشق طهرًا ونقاءً، وعبرت بهما مسارات الدّرب الوعر، حتى امتلأت ذاتك وفنونك بقيم الحرية، والكرامة، والعنفوان، والإباء.

أيها الصابر المكلوم فجيعةً ، بأمّته وبابنه البكر اللّامع فكرًا  وعطاءً  و مناقبيَة ، ما زالت إبداعاتك الغنيّة تُتوّج أصالتك وتاريخك ونبوغك برغم أن الأيام ألبستنا ليلها وأوجاعها ومرارتها.

 

لقد استبدّ بك إيمانك الصّلب بأمّتك، واستبدّت بفكرك هذه العقيدة وبلغتك وعينك وأناملك، فكتبت ذاتك، وشغفها، وحلمها، وعذاباتها. كتبت بالحبر وباللون آيات من الرّؤى والجمال والإبداع.

كنت بذاتك وحدها كونًا  فنيًّا  راقيًا  متمايزًا  كلمة وفكرة، ولونًا  وضوءًا ، وابتكارًا  وموقفًا .

أنت الذي كنت نقيض كلّ أشكال العقوق الخاص والعام، تحدّيت الانهزام والانحراف بفنّك وطاقاتك الكبرى.

لذا كنت أراك كما الشمس التي تتوهّج نورًا  وجمالًا  دون تأفّف أو منّة.

في فنّك تحدّ ٍ صارخ للموت سيظلّ يضوعُ نفحة.

بياض قلبك الذي كالياسمين، سيظلّ امتدادا ً لشذا روحك التي ستطير إلينا، ودوما ً، بأجنحة الحنين، كما كانت تطير في حياتك كلّها إلى أعالي القمم، للارتقاء بالفنّ وبالجمال وبالذّات وبالقيم. وقرّرت أن تطير إلى فلذة الكبد الأمير باسل شوقا ً وانشدادا ً وجدانيّا ً مسكونا ً بعاطفة الأبوّة الجيّاشة.   ومع ذلك ففارس ميدان عمري لم يهوِ ولن يهوي عن صهوة مجد الفنّ و لا عن خيلاء السموّ و العلوّ و النّقاء و الصّفاء.

 

لن أرثيك، لن أبكيك يا من أنت واهب العمر سرّ الخلود.

يا ماتعا ً عينيّ بأروع الآيات في الإبداع.

يا ماتعا ً أذنيّ بأبلغ آيات البيان.

كنت و ما زلت وستظلّ الماء الذي نواجه به جفاف هذا الزّمن العقيم.

ستظلّ الهواء النقيّ الشّفيف الذي يلفح الوجوه والصدور بعبق الفنّ والجمال، ومجد السموّ المفعم بالقيم والكرامة والإباء.

يكفيك طهرًا  أنك لم تُهادن، لم تنحرف، لم تنجرف مع فساد الفنّ والرّوح والموقف، لم تُبايع.

 

أيها الجريء المُنزّه، كنت عملاقا ً في كلّ فنونك رسما ً وشعرا ً ومسرحا ً ونقدا ً وبحثًا .

كنت الأعلى والأسمى في كلّ مراحل حياتك بتحّدياتها وصراعاتها.

أنت باق ٍ في كلّ ما أبدعت وأنجزت، في أقوالك وأفعالك، في مثاليّتك وواقعيّتك، أنت باق ٍ في كلّ من عرفك من مُريديك وتلامذتك، وأنا منهم، في أولادك وأحفادك، في كلّ منحاز ٍ إلى رفعة الإنسان وجوهر الإنسانيّة.

سلامٌ عليك وعلى عالمك الزّاخر بالنّور النّور، وخيال الزّهور، وعمق البحور، وشفافيّة النّقاء، وفضاءات الصّفاء المُضمّخ بالروح الأثيريّة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *