الأب

Views: 491

جان توما

من هذا الجبل الذي يشمخ بأبناء جلوله، ولا ينحني كلّما نمت مزروعاته وأثمرت، وأزهرت، وأنضجت؟!

كيف يزهو أمام تكاليف الحياة وصعوباتها، كلًما تأمل ابتسامات أولاده وهم يكرجون أمامه بفرح، لا تسعهم دنيا ولا يكتفون بأحلامهم؟!

كيف يغفو ليلًا، وهو يفكّر بأفواه أبنائه تنتظر طلوع الفجر لتتلمّظ طيبات ما جلبه لهم بعرق جبينه، ووجع مفاصله، وتأوهاته الخجلى؟!

هو يلملم أحلامهم في غياب أحلامه، حلمه أن يراهم ينمون في رغد وأمان وراحة بال. يذهب إلى عمله، وفي قلبه ألف موّال، يتمتم بأسمائهم، رعاية من المولى، وفي حفظه.

من هذا الرجل الذي يخرج من بيته وأولاده حبّات سبحته تسبيحًا، يودعهم راحتي يديه كي ينموا بسكينة وهدوء؟! 

كيف له أن يخرج  صباحًا ساعيًا وراء لقمة عيش كريمة من أجلهم، ليعود مساءً منهكًا تَعِبًا ليترك هذا العناء كلّه عند باب بيته، وينسى أوجاعه أمام سرعة بنيه في استقباله، وضمّه، وعربشة على كتفيه وظهره. ما عادت كثافة أثقال الأرض تعنيه، إذا صار بينهم خفيفًا كالواقف على سحاب السماء.

***

*الصورة الرئيسية: لوحة «الحضن» للرسام التشكيلي  طارق بطيحي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *