زورقْ.. من ورقْ

Views: 451

د. جان توما

زوارق نحن، وهويّتنا بحريّة. نبحرُ بالناس فيما الناسُ تعتقد أنّها تبحرُ بنا. لا نعرفُ العيشَ إلّا على وجه الماء، وهو واحدٌ، لا يتغيّر، كوجوه العابرين بنا من جزيرة إلى جزيرة. كم صنعنا زوارقَ من ورق، وحمّلناها أحلامنا وقارورة أمانينا، وتاهت بنا الموانئ.

هم يرون جوفَنا حيث يجلسون متأملين صفحة الماء، ونحن نخاطب باطنَ البحر، بسحرِهِ وغرائبِهِ، هم يثرثرونَ فوقَ الماء، ونحن نكتبُ رسائلَ الشوقِ من تحت الماء. ما هذا الحوار البحريّ، بين مرتادين، عجقةً وصراخًا، ليسمعوا، وبين بواطن زوارق تتحدّث بصمت مع العالم المالح الذي يحبُّ ملامحَه الحالمونَ، ويخافونَ من باطنه المجهول عندهم، المعروف بأُلفته عندنا؟

كم اعتقد كثيرون أنّهم بعضلاتهم يحرّكون المجاذيف ليبحروا، فيما صدري الشراعيّ يتقبّل النسيم رطبًا، فأسير الهويناء، وإن أرادوا محرّكًا هرولت، ولكن في ملعبي البحريّ، وأرصفتي، ومداخل المرافئ التي مفاتيحها معي في زمن “الغلينة” ( الهادىء بلغة البحر) وزمن “النوّ” (العواصف ).

أعرف أمرًا واحدًا؛  أنّي أنا الزورق: نديم الصيادين، ورفيق المهاجرين، وصديق المسافرين, وخليل المغامرين، ولو جمعتُ حبرَ أخطبوط البحر كلّه لما استطعت لملمة دموع الوداع، وأناشيد الحزن، وترانيم الرجاء، وأغاني الوتر المفقود.

***

*اللوحة للمهندس الفنان زياد غالب.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *