العدد الأخير لمجلة “شعر” تذكار أم بداية

Views: 410

في لفتة تكريمية لمجلة شعر أصدرت دار نلسن للنشر العدد الأخير  من المجلة رقم 44 خريف 1969 وهو عدد تذكاري لمناسبة مرور نصف قرن على صدوره.

 

في العدد الاخير استقرت صورة الهيئة  الإدارية للمجلة على الشكل التالي. المدير المسؤول: يوسف الخال. هيئة التحرير: يوسف الخال، فؤاد رفقة، انسي الحاج، شوقي ابي شقرا ، عصام محفوظ ، رياض نجيب الريس.

محتويات العدد والمشاركون.  يوسف الخال: مقدمة. انسي الحاج: قصائد.  كاتب ياسين: السيرة الطويلة.محمد عفيفي مطر: قصائد. غالي  شكري(احسان عبد القدوس يدافع عن نفسه). احمد مرسي: قصائد.  محمد زفزاف:  قصائد. باسيل عكولة: قصائد.  روز غريب (المضمون وحده لا يصنع فن الشعر). سهيل بشروئي(عودة الى ازرا باوند وأثره في الشعر).من نور سلمان مع المعلم سلفادور دالي في باريس. ادريس الخوري (الطليعة في المغرب تبحث عن ميكروفون).من هانز بندر(حول الشعر السياسي المعاصر في المانيا) .بر تولد برشت(مشهد  دائرة التباشير القوقازية). صادق هدايت (فصل من رواية البومة العمياء) قضايا وأخبار في ثلاثة أشهر. كتب طهرت حديثا. اما الغلاف والرسوم الداخلية لوضاح فارس.

في ما يلي كلمة الناشر  سليمان بختي في عنوان  “العدد الأخير لمجلة “شعر” تذكار أم بداية”، وكلمة الشاعر شوقي أبي شقرا في عنوان “الخاتم يلمع”

 سليمان بختي 

نصف قرن مضى وأكثر على صدور هذا العدد الأخير من مجلة “شعر” ورقمه 44 خريف 1969. ولكن هل كان العدد الأخير حقا؟ وهل أعلن يوسف الخال، المؤسس، توقفها في بيان أو قصيدة؟ أم أنها توقفت مثل عربة قطار وصلت إلى نهاية المحطة؟ هل تعب يوسف الخال أو كما قال ذات مرة “كلنا حلّسنا”.

ومع ذلك ظل النداء خفيًّا للعودة ولم تنجح المحاولة ولو بمقترح اسم جديد هو “دفاتر شعر” بين عامي 1982 و1983.

المهم توقفت المجلة ولم تتوقف المغامرة. توقف الوقت ولم يتوقف الشعراء. توقف الكلام ولم تتوقف القصيدة.

ولكن يروي يوسف الخال مبررات توقف المجلة وظروفها على الشكل التالي في إجابته على سؤال في حوار صحافي: “حدثت هزيمة 5 حزيران 1967، وكان العدد الثاني ماثلاً للطبع. ومع الهزيمة تغير الجو تماما وانقلب المناخ وصار القارئ العربي لا يهتم بالشعر ولا بأي أدب إبداعي.. وباختصار برزت اهتمامات خارجة عن الأدب والشعر والفن تماما. ومجلة تعنى بالأدب الإبداعي بدون أن تهتم بواقع العالم العربي الذي يفتش عن شيء يقدر أن يمسك به. صارعت المجلة التيار ثلاث سنوات وتوقفت”.

من هنا، أردنا هذا الإصدار التذكاري للعدد الأخير بمثابة تحية إلى مجلة شعر ومؤسسها، وتحية الى كل شعراء مجلة “شعر” على الجهد التأسيـسي لـمشروع تغييري تجديدي يستهدف الكلمة والإنسان والمجتمع والموقف من العالم.

أردنا القول إن هذا العدد الأخير ليس نقطة نهاية بل ربما نقطة بداية لنا جميعاً،  وتذكاراً لما قبل وتوثيقاً لما بعد واستئنافاً للأمل. وأيضاً تحية إلى بيروت مدينة البدايات التي تخطر بجزيل الرونق والتلاوين رغم كل شيء، بيروت التي أطلقت مجلة ذات مرحلة لعلها الأهم والأخطر والأجمل أثراً في حركتنا الشعرية في لبنان والعالم العربي. مجلة غيرت وجه الشعر العربي الحديث ورفعته نحو الآفاق الجديدة . كانوا كوكبة أو “حزمة من الشعراء” تلاقوا ومشوا في وعورة الطريق وزاد الشغف وكانت بيروت تلفهم بالرواء والجناحين والظل الوارف. 

لماذا العدد الأخير عدداً تذكاريا؟ يحدونا الأمل أن نكمل ما فعله الأسلاف من هنا، من هذه المدينة إلى دنيا العرب والعالم. ونرى كيف سيستمر أثر المجلة في وعي الشعراء وفي تجاربهم المعاصرة. كتب مرة يوسف الخال: “وإذا لم تعد بيروت على أيامنا، فالمشعل سيحمله أبناء “شعر” وأجيال “شعر” التي لا تنتهي”. 

ليس أمام الأصيل نقاط وفواصل وقيود، وليس أمام المبدع الحقيقي مراحل زمنية تقع عليه كالأسر. صحيح أن مجلة ” شعر” بكلام أنسي الحاج: “باقية إلى الأبد حدا فاصلا في تاريخ الشعر”. ولكن الصحيح أيضاً أن على كل جيل أن يصنع مجلته ومغامرته وثورته وأحلامه. انها إذن دعوة إلى عدد جديد ووعد جديد وبداية جديدة. 

بيروت، صيف 2023 

شكر وتقدير

تحية الشكر والتقدير إلى الشاعر شوقي أبي شقرا بنيامين المجلة على كلمته التي تلمع كالخاتم. والشكر موصول الى الناشر الصديق عبد المسيح أبو جوده الذي وفر لنا العدد الأخير من المجلة من مجموعته الخاصة.  

شوقي أبي شقرا

كأنما لا إشارة معلقة، ولا ما يوجب الإقفال والرجوع إلى البيت. إلى السكون والى الصمت. والى أن يكون هذا الإياب مثمراً وجيّد المصير وحلو الإقامة معه، في خيمة الرضى وفي عدم الإقفال. وفي بسط المغامرة وفي عدم الإقفال. وفي بسط المغامرة من جديد. وهو هذا المصير الحلو والجيد ونحن في انتظاره. وفي القبض على السكون، تلك الجوهرة، تلك العذوبة الكامنة في قصر الوجود. وفي كوخ الإبداع، ونحن على ضوء الشمعة حين لا كهرباء. وفي منتهى الاجتهاد وفي تفاحة الجهد وفي خيمة مجلة “شعر”، وفي العاصمة بيروت التي طالما اجتهدت وكانت شجاعة لنا، وكانت الحماسة لها، وكانت لناحية النهوض، حبّة الشجاعة وحبّة الفأل السعيد، حبّة النهوض إلى الأمام، إلى حيث النار ونحن أشعلناها. وما كانت من أجل هدف آخر، من أجل العادة، لا الإبداع ولا النظرة المحكمة والحكيمة، ومن أجل الحقيقة في لبنان.

*

وهذه الحقيقة تبدأ من القصيدة ومن أجل الذهاب أكثر نحو جنينة الإبداع، ونحو النص الذي نريده أن يكبر وان يتسع وأن يفيض بل وعلى أهبة السكون وأهبة الابتكار. الذي يدفع وينبع من الذهن ومن بئر الموهبة، ولا تنام هي ولا تصغي إلى منقار البومة، إلى نشيدها المتوالي بين الأشجار وبين الورق الذي يجلب النص. وكان لنا هذا الهمّ هذه الهموم المتعاقبة، هذه الألوان الذاتية، نابعة من كل شيء، من كل ناحية ولا يصمت هو بل يبقى مزمار الوجود. وبه نصل إلى القصيدة الكاملة التضاريس، كاملة الهيبة وكاملة الرعشة. وحيث  تمتلئ الخابية من الحصاد، من النص الذي لا يكاد يولد من لا معنى إلى قصر المعنى ومدار الحكمة ومدار الإبداع ومدار الخلود والرعشة والهدف. والخصب يبقى ذلك الخصب الذي به رعشة الإقامة، وكأنه يدعونا ويدعو الشعراء إلى حيث يكونون الحرية ويؤلفون قبيلة الأحرار خارج أي وزن وأي ملامة.

وهكذا كنا منذ البدء منذ التكاوين البكر والأولى، ومنذ صرنا الخمر قبل الخمر وقبل أي مدار سوى نجمة البلاغة. وسوى ضوء الوجود الذي لا ينام. وإذا حالة النوم هي سيطرت على العيون وعلى القامة الملهمة، فنحن الحارس الذي نطل القيوم وخاتمه يلمع في الظلام ولا نهاية ولا ينطفئ.

بيروت، 5/ 7/ 2023

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *