“دور المنظمات غير الحكومية في تنمية المجتمعات والتأثير فيها وعليها” 

Views: 412

إعداد : د. مصطفى الحلوة

نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية ” ، بالتعاون مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية ، ورشة تفكير ونقاش ، على مدى يَومَي 28 و 29 تموز 2023 ، في القاعة 1188 للمحاضرات – جبيل ، بعنوان : “دور المنظمات غير الحكومية في تنمية المجتمعات والتأثير فيها وعليها”. 

مهّد للجلسة الافتتاحية مقرّر الورشة د. مصطفى الحلوة ، وكانت كلمة لرئيس مركز تموز “د. أدونيس العكره رحّب فيها بالحضور ، وفي مقدّمهم معالي وزير الشؤون الاجتماعية د. هكتور حجّار، وتلتها كلمة مندوب مؤسسة “هانس زايدل” في  لبنان الأستاذ طوني غريِّب ، أضاء فيها على الأهداف العامة لهذه المؤسسة . كما كانت كلمة لمنسقة أعمال الورشة د. بلانش أبي عسّاف ، استعرضت فيها الأسباب الموجبة لعقد الورشة ، التي تُقارب قضية العمل الإنساني ، من وجهة نظر وطنية وقيميّة وسياسية ، وقد رأت أن المنظمات غير الحكومية ، المحلية والدولية ، بدأت تتسلّل إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ، وحتى السياسية ، وتتغلغل في مختلف شرائح المجتمع اللبنانية ، وتحمل معها ، بالإضافة إلى تقديماتها الإنسانية والخدماتية المشكورة ، قيمًا ومفاهيم اجتماعية، وأحيانًا سياسية ، تقتضي الضرورة الوطنية بتسليط الضوء عليها. 

 

أعقب الجلسة الافتتاحية ست جلسات عمل ، تضمّنت عشر مداخلات . وقد اتخذت هذه الجلسات العناوين الآتية : الوظيفة الإنسانية والخدماتية للمنظمات غير الحكومية ، وقد قدّم معالي الوزير حجّار مُطالعة مسهبة حول دور جمعيات المجتمع المدني في بناء وطن الإنسان وصيانة مناعتِهِ/ إِستراتيجيات إنقاذ في زمن الأزمات المالية والاقتصادية / التناغم ما بين وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية / علاقة المنظمات غير الحكومية مع حكومات الدول وإشكالية الثقة والعطاء البريء / إشكالية حجم ودور التمويل الدولي للمنظمات غير الحكومية في لبنان / دور الجمعيات في نشر قيم معينة والدفاع عنها . 

وقد بدا لافتًا في الورشة استعراض تجارب ناجحة ، لثلاث جمعيات محلية لبنانية ، هي : جمعية سطوح بيروت / تجمُّع أمّ النور / جمعية “بلدتي” . وكانت عشر مداخلات ، قدّمها على التوالي : معالي الوزير هكتور حجّار ، الإعلامية السيدة داليا داغر ، عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية د. إبراهيم شاكر ، العميد د. كميل حبيب ، د. خليل خير الله ، العميد الركن محمد الشيخ، د. بشير المرّ ، الأستاذ محمد شمس الدين ، المهندس شاكر نون ، وسيادة المطران غي نجيم. 

وعن إدارة الجلسات الست ، فقد تولاّها : د. ليليان ريشا ، أ. أمل صانع ، د. سوزان منعم ، د. بلانش أبي عسّاف ، د. حسان العكره ، د. كلود مرجي . 

وقد تميزت الورشة بحضور طالبي جامعي ، جاء من منطقة عكار وطرابلس والجنوب وسائر المناطق اللبنانية . وكان حوارٌ تفاعلي بين الحضور والمداخلين ، شكّل عنصر إثراء للبيان الختامي ، الذي تضمّن المحاور الآتية : 

أولاً – في تحديد المفاهيم والمصطلحات: 

من منطلق منهجي ، ووضعًا لكل مصطلح أو مفهوم في موضعِهِ ، كان لا بد من تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات ، ذات الصلة بموضوع الورشة : 

– بحسب قانون الجمعيات ، المعمول به في لبنان (قانون 1909) ، الجمعية هي مجموعة من الأشخاص ، اجتمعوا من أجل تحقيق هدف مشترك، من دون البحث عن الربح . والجمعيات ، بمختلف أشكالها واختصاصها ، حتى الأحزاب السياسية ، تخضع لهذا القانون . 

– المنتديات (Clubs) ، أشار إليها قانون 1909 ، باعتبارها نوعًا من أنواع الجمعيات ، لا تحتاج إلاّ إلى الإعلان عنها ، أي “علم وخبر”. 

 

– الجمعيات ذات المنفعة العامة هي أيضًا من جمعيات العلم والخبر ، كالصليب الأحمر ، والهلال الأحمر الفلسطيني وسواهما. 

– بعض الجمعيات تحتاج إلى قانون خاص – خارج قانون الجمعيات 1909 – كالمهن الحرّة (نقابة المحامين / نقابة الأطباء/ نقابة المهندسين/ نقابة أطباء الأسنان / نقابة الصيادلة). 

– بعض الجمعيات تحتاج إلى ترخيص مسبق – خارج قانون 1909 – مثل جمعيات الأجانب – جمعيات الشباب والرياضة – النقابات العمالية – نقابات أرباب العمل – صناديق التعاضد والتعاونيات. 

تُنشأ الجمعية بقرار ، وتُحلُّ بمرسوم يتّخذه مجلس الوزراء. 

– المنظمات غير الحكومية ، أو ما يُطلق عليها اختصارًا (NGOS) ،  هي كيان يُؤسِّسه مجموعة من الأفراد ، محليًّا أو دوليًّا ، لا تبتغي الربح، ذات مصلحة عامة ، لا تخضع لحكومة ولا لمؤسسة دولية ، في حين أن ذلك لا يحول دون أن تتعاون أو تتلقى مساعدات وتمويلاً من الحكومات. 

– يتمّ التفريق بين المنظمات غير الحكومية الوطنية (المحلية) وبين المنظّمات الدولية غير الحكومية . فهذه الأخيرة يُطلق عليها أيضًا “منظمات التضامن الدولي ” ، ويُرمز إليها اختصارًا بـِ (ASI) ، ويكون لها فروع في عدة دول. 

– المنظمات الدولية غير الحكومية أبرزَ مصطلحها ميثاق منظمة الأمم المتحدة في العام 1945 ، في إطار الفصل الخامس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ،  ليكون أوّل إعتراف رسمي حقيقي بتلك المنظمات. 

 

– هناك تعريف للمنظمات غير الحكومية ، قد لا يحظى بإجماع الحكومات والنخب المثقّفة ، وهو أنّها الظلّ الخفي للدول المهيمنة ، على المستوى الدولي ، وإنها تمثّل لتلك الدول أداة حديثة لغزو المجتمعات ، ثقافيًا بدلاً من غزوها عسكريًّا.

– النازح هو من فرَّ من بلاده جراء جحيم الحرب والأعمال العسكرية ، التي تُشكِّل خطرًا داهمًا على حياتِهِ . وفي هذا المجال يتمّ التفريق بين النازح ، آنف الذكر ، وبين النازح “الاقتصادي” ، الذي لا خطر عليه ، ويُفيد من عطاءات المنظمات غير الحكومية ، ومما يدرّه عليه عمله في لبنان ، ويروح ويجيء على خط سوريا /لبنان من دون التعرّض لأي مخاطر. 

– القطاع غير الربحي ، هو كيان قانوني ، يتمّ إنشاؤه لأهداف إنسانية واجتماعية ، من مِثل : تقديم المساعدات الأساسية والحماية المجتمعية / تقديم الرعاية الصحية وحماية البيئة / نشر التعليم والثقافة والفن / التصدّي للعنصرية ونشر التسامح .. ويشمل هذا القطاع الجمعيات الخيرية والتعاونية والجمعيات التطوّعية. 

 

– التنمية المستدامة ، هي التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لحُسن استغلال الموارد المتاحة ، وصولاً إلى تحسين ظروف المعيشة ، لجميع الأفراد ، من دون استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض ، وتلبية احتياجات الجيل الحالي ، دون التأثير الضار على قدرة الأجيال القادمة وتلبية احتياجاتها.

ثانيًا – في بعض الأسئلة والهواجس: 

إذْ نُمهِّدُ السبيل لمجموعة وافية من المعطيات والرؤى ، حول المنظمات غير الحكومية ، المحلية والدولية ، لا بُدَّ من تطارح بعض الأسئلة والهواجس، أبرزها : 

– هل يُفضي العدد المرتفع للمنظمات غير الحكومية في لبنان (عددها 10472) ، إلى إضعاف دور الحكومة وفعاليتها ، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام الشائعات والاجتهادات عن حقيقة ارتباط بعض المنظمات بأجندات خارجية ، تنفذّها لخدمة دول أو منظّمات دولية ، أو جهات عالمية معينة ؟ 

– ماهي حقيقة دور المنظمات غير الحكومية في استثمار الإعلام لتنبيه الرأي العام ، وإثارة اهتمامه حول قضايا معينة ؟ واستطرادًا : هل تُساهم هذه المنظمات في إعادة تشكيل الرأي العام وتوجيهه ؟ 

– استكمالاً ، إلى أي مدى تستطيع وسائل الإعلام الحديثة ، أن تخترق الحدود الاجتماعية والسياسة والاقتصادية ، ولَعِب دور مؤثِّّر في تسليط الضوء على دور المنظمات غير الحكومية ، المحلية والإقليمية ، والدولية ، لجهة تأثيرها على المجتمعات وتشكيلها ، وفق أجنداتها؟ 

 

– ماذا عن فرضية الدور الذي لعبته المنظمات غير الحكومية في تحريك الشارع، وفي تحريك الإعلام في وقت واحد ؟ هل كان ذلك حقيقيًّا ؟ وهل يأخذنا ذلك إلى التساؤل عن حقيقة دور هذه المنظّمات ، في ثورة 17 تشرين 2019 ؟ 

– ما حقيقة الدور ، الذي لعبه الملياردير جورج سوروس (الهنغاري الأصل، الأميركي الجنسية) ، عبر مؤسّسته “المجتمع المنفتح ” ، في رفد ثورة 17 تشرين 2019 ، والذي يعتبر أن هذه المؤسسة تهدف إلى تعزيز الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان ، في حين رأى إليها البعض أحد الأسلحة للقوة الناعمة للمصالح الأميركية ، وتهدف إلى ضرب السيادات والخصوصيات الوطنية من أجل المنفعة للأوليغارشية المالية المعولمة؟ 

– هل صحيح أن هناك منظمات غير حكومية (لبنانية) أفادت من التمويل “السوروسي” (نسبة إلى سوروس) ، من مثل ” المفكرة القانونية ” ، الجمعية اللبنانية للانتخابات الديمقراطية (Lade) ، كلنا إرادة ، درج ميديا ، الجامعة الأميريكة في بيروت ( AUB) ، جمعية “حلم” لحقوق المثليين في لبنان إلخ …

– هل تتماشى الحريات الإعلامية في لبنان مع المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة ؟ وما هو تصنيف لبنان ، في ما يتعلَّق بالحريات ؟ على الصعيد العربي والدولي ؟ 

– ما هو التكييف القانوني لدور المنظمات الدولية غير الحكومية ، في تعريف الحريات الإعلامية ؟ وكيف تنفذ تلك المنظمات هذا الدور ؟ وما مدى فعاليته ؟ 

ثالثًا – في المعطيات والرؤى: 

– في رصد لتاريخ الجمعيات ، فقد نشأت قبل قيام الكيان اللبناني ، بدافع من حاجات الناس . فقد عرفت انطلاقة في زمن الحروب والأزمات ، ومثلُها النموذجي الحرب العالمية الأولى ، حيث تفشَّت المجاعة ، وهلك الآلاف ، لاسيما في الجبل اللبناني. 

 

– لقد اتّسمت الجمعيات، لدى قيامها ، بصبغة مناطقية ، دينية وطوائفية (أي تابعة للطوائف ) ، وكان لها دور إغاثي واجتماعي . 

– بدءًا من سبعينيات القرن الماضي ، راحت الجمعيات في لبنان تتخطّى الإطار المناطقي والطوائفي ، وتنحو أكثر باتجاه التنمية المستدامة ، و من التخلِّي عن المساعدات العينية ، في إطار معين . وعلى سبيل المثال لا الحصر: الحركة الاجتماعية التي أنشأها المطران الراحل غريغوار حداد ، وسواها من جمعيات . 

– يأتي لبنان في المرتبة الأولى عالميًّا ، من حيث عدد الجمعيات ، نسبةً لعدد سكانه (4,2 مليون مقيم ) ، إذْ بلغ هذا العدد ، وفق “الدولية للمعلومات ” ، حتى بداية شهر تموز 2023 ، 10472 جمعية .  علمًا أن ثمّة 5907 جمعيات ، تم تأسيسها منذ العام 2008 وحتى اليوم . 

– هذه الجمعيات (جمعية واحدة لكل 409 لبنانيين ) هي ، بغالبيتها الساحقة ، ليست سوى إنعكاس لواقع المحاصصة الطائفية والسياسية . واستطرادًا لا تُشكِّل أداة لتنمية المجتمع اللبناني وتطويره . بل هي وسيلة لتعزيز النفوذ الشخصي أو السياسي أو الطائفي . 

– يرعى القانون الصادر في 29 رجب الموافق لـِ 3 آب 1909 (المعروف بقانون مدحت باشا ) في زمن العثمانيين ، عمل هذه الجمعيات . 

إشارة إلى أنه بالرغم من مضيّ 114 سنة على العمل بهذا القانون ، فهو سابق عصره ، لاسيما من حيث عدم فرض شروط للترخيص ، بل يكفي إعطاء وزارة الداخلية والبلديات خبرًا بإنشاء الجمعية ، وفق المادة الثانية منه . 

– من عيوب هذا القانون (قانون الجمعيات) عدم التمييز بين الجمعية الخيرية أو الاجتماعية أو الثقافية وبين الجمعية السياسية ، أي الحزب. 

– هناك عددٌ من الجمعيات المحظيَّة ، التابعة لشخصيات سياسية ومرجعيات دينية ، هي الجمعيات ذات المنفعة العامة ، تحصل على هذه الصفة بمرسوم من مجلس الوزراء ، بناء على طلب تقدّمُهُ الجمعية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية . ويبلغ عدد هذه الجمعيات راهنا 110 . 

– هذه الجمعيات ، ذات المنفعة العامة ، تستفيد من العديد من المساهمات والمنح ، والإعفاءات ، لاسيما الجمركية ، على سِلَع تحتاجها، مما يُفسح المجال لممارسة عمليات تجارية خاصة ، تُجنى من ورائها أرباح طائلة ّ!.

 

– يمكن تصنيف الجمعيات الأهلية إلى أربع فئات : جمعيات صُورية موجودة على الورق فقط ، لا تقوم بأي نشاط / جمعيات تعمل لأهداف شخصية ، لمصلحة رئيسها وعدد من أعضائها / جمعيات تابعة لشخصيات سياسية ، أو لمرجعيات دينية ، تعمل على تحقيق أهداف سياسية وطائفية . وهي تُشكل العدد الأكبر من الجمعيات . وهذه الجمعيات تستفيد من عقود ومشاريع مع وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم العالي / جمعيات مستقلة، تعمل على تحقيق أهداف وطنية وإنسانية ، في مجالات مُتعدّدة ، بعيدًا من الاعتبارات السياسية والمناطقية والطائفية ، وهي تُشكل الشريحة الأصغر من الجمعيات . 

– بلوغ الأزمة الاقتصادية والمعيشية مستوى غير مسبوق من التردي وفَّرَ للمنظمات غير الحكومية ملعبًا فسيحًا وأرضًا خصبة ، فراحت تتكاثر كالقطر ، منها مالا شُبهة حولها ، ومنها ذات حضور فولكلوري ، ومنها من دخل هذا الملعب لجني المال الحرام ، على حساب عذابات اللبنانيين. 

– بعض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية حافظت على رسالتها ، والبعض الآخر المأزوم ماليًّا ، اضطر إلى مواكبة السياسات الدولية ، ونقل البارودة من كتف إلى أخرى ، وراح يعمل كبوق للمؤسسات الدولية ، المؤتمرة بتوجيهات الدول ، لاسيما في موضوع دمج السوريين في لبنان (دمج تربوي واجتماعي). 

في حرب إسرائيل على لبنان (تموز 2006) ، ومع جائحة كورونا (2019) ، وانفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020) ، لعبت بعض الجمعيات دورًا فاعلاً في عمليات الإغاثة والإنقاذ والإعمار . كما قدّمت مختلف أنواع المساعدات والدعم لشرائح واسعة من اللبنانيين. 

– بدءًا من العام 2012 ، حوّل النزوح السوري لبنان إلى محجٍّ للوكالات الأممية والمنظمات الدولية غير الحكومية . وقد كان تنسيق للتعاون مع هذه المنظمات ، أفضى إلى التزام وتعهُّد بعدم عبور النازحين إلى الدول الأوروبية ، وبما يتوافق مع سياسات الهجرة لدى هذه الدول. 

– بتنا في عصرٍ لم تعُدْ الحكومات تتولى العملية التنموية بمفردها، بل ثمة ما يُدعى “المربّع الذهبي” ، الذي يقوم بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص ، إضافة إلى المؤسسات الأكاديمية ومؤسسات التمويل (Sponsors).

– المنظمات غير الحكومية تُشكّل اليوم الأداة النموذجية للحراكات المدنية، التي جذبت الشباب وطلاب الجامعات ، عبر العالم . وقد استعانت بهم من خلال الأنشطة والبرامج الخاصة والمموّلة ، التي يُشرف على تنفيذها نشطاء متخصِّصون في ميادين الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات ، ومكافحة الفساد واستبداد السلطات. 

 

إستكمالاً لدور المنظمات غير الحكومية ، المحلية والدولية ، فقد كان لها حضورٌ فاعل في الحراكات المدنية والاحتجاجات التي شهدتها الساحة اللبنانية ، بدءًا من حراك العام 2015 ، الذي انفجر على خلفية مطامر النفايات ، ثم في حراك 17 تشرين أول 2019 ، الذي دعا إلى إسقاط النظام الفاسد . علمًا أن هذا الحراك (الثورة) قد أطاحه الانهيار الاقتصادي والمالي الشامل . وهو انهيارٌ لم يُفهم إلى اليوم ما إذا كان استحقاقًا طبيعيًا أم مصطنعًا ، في توقيتِهِ ونتائجه . هكذا أقفل اللبنانيون مُكرهين كتاب 17 تشرين ، وانتقلوا مكرهين أيضًا من منصات الثورة إلى منصة صيرفة ، يلتمسون بعض فُتات مالي ، لا تُسمن ولا تغني عن جوع. 

– في بلدٍ صغير كلبنان ، ومُفلس راهنًا ، لا بد من التنويه بأن المنظمات غير الحكومية ، بما تُقدِّمُهُ من مساعدات وبرامج تنمية ، تُسهم في التخفيف من غياب الدولة وأجهزتها ومؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية.

– وإلى ذلك ، توفِّر المنظمات غير الحكومية بعض الوظائف للشباب الطالع (بالفريش دولار) ، من جامعيين ومُتخصّصين في شتى حقول العمل الاجتماعي والمهني والثقافي . وهي بذلك ، تحدُّ من هجرة الشباب إلى الخارج ، بحثًا عن فُرص عمل. 

إنّ تدفُّق المساعدات من الدول والمنظمات الدولية المانحة ، بقدر ما يُُشكِّل مساهمة في دعم الشعب اللبناني ومساندته ، لاسيما في زمن الأزمات ، فهو، بالمقابل، يُُرسِّخ علاقات الهيمنة ، التي تفرضها الجهات المانحة وشركاؤها المحليون ، في مجتمع باتت الفُرص فيه غير متكافئة ، أكثر من أي وقت مضى.

– المنظمات الدولية غير الحكومية اكتسبت خبرات خوّلتها العمل من خلال أُطُر ومنهجيات علمية . وتُشير آخر الإحصاءات إلى أن عددها يزداد بشكل مُطّرِد ، ويصل إلى 18037 منظمة.

– المنظمات غير الحكومية ، بصرف النظر عن دوافعها الظاهرة والخفية، جاءت لملء الفراغ ، الذي خلّفته الدولة ، وهو فراغ لم تكن هذه المنظمات هي التي تسبّبت به. 

وعليه ، فإن  الطبقة السياسية ، إما لقصور لديها في الوعي أو لغايات غير وطنية ، هي التي استدرجت واستجلبت كل أنواع الاختراق الخارجي. 

– الأمم المتحدة شكَّلت دعمًا قويًّا للمجتمع المدني ، من خلال تأطير ودعم عمل (NGOS)  ، المحلية والدولية ، لاسيما بواسطة المادة 71 من ميثاقها، التي منحت تلك المنظمات دورًا ، يُخوِّلُها تقديم المشورة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي (التابع للأمم المتحدة) ، وبالتالي دورًا محوريًّا ، في الحوكمة العالمية.

 

– بفضل التطوّر الهائل لوسائل التواصل ، على خلافها ، وما تأتي به الثورة التكنولوجية ، في هذا المجال ، غدت العلاقة تفاعلية بين الإعلام والقضايا اليومية والإنسانية ، بل تقوم على تبادل الأدوار وتكاملها. 

– مع ثورة الاتصالات ، تطوّرت أساليب السيطرة على الرأي العام ، عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي . وقد أصبح تشكيل الرأي العام والتحكم به عاملاً أساسيًا للنجاح. 

– المنظمات غير الحكومية ، من خلال أنشطتها العملية والميدانية ، تُنافس وسائل الإعلام في التأثير ، إذْ تلعب دورًا ، يُماثل دور جماعات الضغط (Lobby) في الضغط على الحكومات ، من طريق تحريك الرأي العام ضد السياسات والقرارات الحكومية  التي تتجاهل حقوق الإنسان والأقليات ، أو الحفاظ على البيئة، أو محاربة الفساد ، والتمييز الجندري إلخ .. 

– إن المنظمات الدولية غير الحكومية ، التي تُعنى بشؤون الحريات الإعلامية وتعمل على تعزيزها ، تُوفِّر ، من خلال تقاريرها المختلفة ، خريطة طريق لإصلاح الواقع الإعلامي وجعله أكثر حريةً ، وذلك قياسًا على المعايير الدولية، التي يعود الجزء الأكبر منها إلى المعاهدات والمواثيق والقرارات الدولية، التي صدرت عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة. 

– إن العوائق التي تواجه المنظمات الدولية غير الحكومية ، التي تُعنى بشؤون الإعلام ، تندرج تحت الآتي : التدخلات السياسية / تراجع الحريات في الغرب / الحرب على الإرهاب / إشكالية التمويل / تغيُّر المشهد الإعلامي. 

– إن تقارير (NGOS) ، التي تُعنى بالحريات الإعلامية ، تُعاني من خلل فادح ، وذلك على الوجه الآتي : عملية إعداد التقارير ليست أكاديمية / الافتقار إلى نظام الجودة الشاملة ، لقلة عدد الموظفين / الانحياز ، لارتباط بعض المنظمات بالدول الكبرى ، مما يفرض بعض القيود عليها. 

– بما يخصّ الحريات الإعلامية في لبنان ، فعلى الصعيد القانوني ، عرف لبنان العديد من القوانين التي قيّدت هذه الحريات ، إلى أن جاءت بعض التعديلات، التي عزّزتها . في عِداد هذه القوانين : قانون العقوبات اللبناني ، قانون المطبوعات وتعديلاته (صادر في العام 1962) ، وفي العام 1993 أُلغيت جميع المواد المختصّة بجرائم المطبوعات . كما أُقرَّت تعديلات في العام 1994 ، أبرزها إلغاء التوقيف الاحتياطي . إضافة إلى قانون المرئي والمسموع (صدر في 4/ 11/ 1994) ، وقانون الوصول إلى المعلومات (صدر في 10/ 2/ 2017). 

 

– يُعاني الإعلام في لبنان من قصور مُتعدِّد الأوجه ، منها : النظام الطائفي، الذي خلق خطوطًا حمرًا ، يمنع النقد السياسي الذي يطول الممارسات الطائفية / تمركز المؤسسات الإعلامية في أيدي الزعامات الطائفية / طغيان نموذج السوق ، حيث يُنظر إلى المتلقين كزبون / انتشار ظاهرة الأخبار المزيّفة. 

– يتمثّل دور القطاع غير الربحي في التنمية المستدامة ، عبر إِسهامِهِ في تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، وذلك من خلال محطات ، أبرزها : تعزيز التعليم / توفير الخدمات لتحسين الظروف الاجتماعية/ حماية البيئة / تشجيع المشاركة المجتمعية لتحقيق التغيير الإيجابي/ تعزيز مفاهيم البحث للتطوير والابتكار. 

– في استعراض تحدِّيات القطاع غير الربحي ، في التنمية المستدامة ، ثمة إيجابيات وسلبيات . فعلى صعيد الإيجابيات ، نذكر : زيادة المساهمة في الناتج المحلي / خلق فُرص عمل / استقطاب المانحين / ترجمة جدول الأعمال العالمي إلى أولويات وطنية . وبما يخصّ السلبيات ، نتوقف عند الآتي : عدم وجود قاعدة بيانات (Data) قابلة للمقارنة حول حجم القطاع غير الربحي / نقص الكفاءات/ مفاهيم غير موحّدة / عدم القدرة على معالجة العديد من القضايا الإنسانية الكبرى (تغيُّر المناخ- ندرة المياه – عدم وجود معايير تصنيف واضحة). 

– لتكاملية الإشكاليات، التي تطرحها هذه الورشة، في عِدادها إشكالية عمل الجمعيات في لبنان : بين الواقع الاقتصادي والمالي ، نتوقف عند محطتين برز فيهما دور المصرف المركزي والمصارف ومنظومة الفساد والإفساد: 

أ- المحطة الأولى : في العام 1992 تمّ توظيف أموال المصارف في المضاربات ، برفع الدولار  من 500 ل.ل. نهاية الحرب ، إلى 3200 ل.ل. نهاية 1992 . إضافة إلى تخفيض تدريجي لسعر الدولار بين عامي 1992 و 1999 ، وتثبيته على سعر مرتفع 1500 ل.ل. ، مما ضرب القدرة الشرائية للأسرة اللبنانية ، كما القدرة التنافسية للإنتاج المحلي . وإثر الانتهاء من التلاعب بالدولار ، تمّ بيع المغانم على سعر 3200 ل.ل. للدولار ، وتوظيفها بفوائد عالية بالليرة 43 % . 

ب- ثاني المحطتين ، كانت مع بداية الأزمة الوجودية المصيرية الراهنة ، في العام 2019 ، إذْ تمّ إعلان أزمة سيولة مصرفية ، على خلفية مالية وأسباب سياسية / تحقيق “هيركات” الودائع ، عبر تعدُّد أسعار القطع ، بهدف شطب قيمتها الدفترية من ميزانيات المصارف / هبوط قيمة الليرة اللبنانية بشكل دراماتيكي ، وذلك بفعل تعاميم المصرف المركزي / المنصّات الوهمية والمضاربات . 

رابعًا: في التوصيات والمقترحات: 

بما يخصّ ملفّ النزوح السوري ، على الحكومة اللبنانية أن تعتمد قراءة موحّدة لهذا الملف ، وتبنِّي استراتيجية واحدة في تعاطيها مع المرجعيات الدولية . علمًا أن بعض الأفرقاء يحاول الاستثمار في الأخطار المحدقة بالبلاد . 

-ينبغي إصرار الحكومة للحصول على “الداتا” من قِبل المفوضية السامية للاجئين، حول أعداد النازحين السوريين . وفي المقابل دعوة البلديات، كل واحدة في نطاقها ، إلى استكمال عملها في إحصاء النازحين ، وأمكنة تواجدهم والمهن التي يُمارسونها ، وكل ما يخدم هذا الملف . 

 

– على الدولة اللبنانية ، بسلطاتها كافة ، الكفّ عن لعب دور المتفرِّج على أنشِطة المنظمات غير الحكومية ، من محلية ودولية ، التي تأخذ مكان  أجهزة الدولة ومؤسساتها ، في أكثر من مجال ، وذلك على غرار ما حصل ، غداة إنفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020) ، إذْ اكتسحت هذه المنظمات المشهد ، بذريعة المساعدة والإنقاذ ، منها الحقيقي – وهي قليلة – ومنها الوهمي – وهي الكثرة – ولتتحوّل عمليات الإنقاذ إلى ستار للمتاجرة و “البيزنس”. 

– يجب غربلة المنظمات غير الحكومية ، واللجوء إلى تصنيفها ضمن لائحتين : لائحة بيضاء ولائحة سوداء ، فتُدرِج وزارة الشؤون الاجتماعية هذه المنظمات ، كل واحدة بحسب أجندتها ، في إحدى هاتين اللائحتين، ذلك أن ثمة منظمات لا تؤمن بلبنان كرسالة ، وتدعو جهارًا إلى عدم عودة النازحين إلا بعد إنجاز الحل الشامل لسوريا ، وفق القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254 في 18/12/2015 ، الذي يدعو  إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا. 

– دعوة مجلس النواب إلى زيادة موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية ، التي لا تتعدى 0,52% من الموازنة العامة ، في حين أن المطلوب من هذه الوزارة مهمات مُتعدِّدة، في هذه الظروف الصعبة ووقت الأزمات. 

– على المنظمات غير الحكومية تعزيز الحريات الإعلامية في لبنان ، والمطلوب منها : تحسين منهجية عملها ، خصوصًا ما يتعلّق باحتساب المعايير/ اعتماد معايير مُتنوِّعة في عملية تقييمها للحريات الإعلامية / نشر التقارير محليًّا على أوسع نطاق / التشبيك مع قوى المجتمع المدني، مثل النقابات والجامعات، وعدم الركون إلى الجمعيات التي تكاثرت كالفطر ، لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت / التشبيك مع أعضاء المجلس النيابي ، كونهم السلطة المخوّلة بتعديل قواعد البنية القانونية للإعلام. 

– مُحاذرة المخاطر المتأتِّية من الإعلام ، لاسيما مع انطلاق الذكاء الاصطناعي ، ودخوله في تكوين الرأي العام العالمي ، والذي قد يتبدّى عبر ما يُعرف بالاستعمار الالكتروني ، المرتكز على : القوى الناعمة . والحروب السيبرانية ، والتجسُّس الالكتروني. 

– وضع قانون عصري ومتطوِّر للأحزاب السياسية في لبنان ، وإخراج الأحزاب من قانون الجمعيات للعام 1909 ، المعمول به راهنًا. 

– جعل الترخيص لكل جمعية او منظمة غير حكومية من صلاحيات الوزارات ، بناءً على اختصاص الجمعية أو المنظمة. بمعنى أن يُرخص لجمعية تنشط في المجال التربوي من قِبل وزارة التربية ، ولأخرى تعمل في المجال البيئي، من وزارة البيئة ، وهكذا دواليك. 

– الإفادة من التجارب النموذجية الثلاث ، التي أُفردت لها ثلاث مداخلات في الورشة من أصل عشر ، لثلاثة محاضرين أكفياء ، وهي : جمعية سطوح بيروت / تجمّع أمّ النور/ جمعية “بلدتي”. 

أ- جمعية سطوح بيروت : تثمين دورها في مساعدة العائلات الأكثر حاجة/ تأمين مساعدات لعدة حالات إنسانية استشفائية حرجة / الإفادة من طريقة عملها في المجال الإعلامي ، إذْ حققت حضورًا إعلاميًا راقيًا وفاعلاً / الشفافية والصُدقية في عملها / عدم التمييز الجندري أو الديني أو السياسي أو الاجتماعي في تعاطيها أنشطتها/ عدم تلقي الدعم من مصادر أجنبية / التوجه إلى اللبنانيين المنتشرين في الخارج ، لاسيما فرنسا، طلبًا للمساندة والدعم (سطوح بيروت / فرع فرنسا) . 

ب- جمعية “بلدتي” : يتميز دورها في الحفاظ على البيئة / أولويتها الإعلام البيئي الصادق ، تحت شعار “تعو نفكِّر أخضر” / ربط أهل القرى اللبنانية بقراهم والإسهام في عودة من نزحوا إليها / التواصل مع اللبنانيين المنتشرين في جميع أصقاع العالم / خلق 1468 قرية افتراضية ، وتلفزيون افتراضي، و 192 بلد اغترابي افتراضي / التعرّف على الطبيعة بعيون أهلها / تسويق لبنان ، بوجهة المشرق والجميل ، بخلاف ما تعمد إليه بعض الفضائيات لدينا . 

ج- تجمُّع أمّ النور : الإفادة من كيفية التحوّل من مشروع بسيط أو مشترك إلى جمعية لكل اللبنانيين ومع كل اللبنانيين / العمل بروح العيلة والصداقة والإيمان / إعادة تأهيل المدمنين على المخدرات وإعادتهم بشرًا أسوياء / عدم اليأس والإصرار للوصول إلى تجاوز مهمة من أصعب المهمات / تنمية ثقة المدمن بنفسه وترميم العلاقة مع الأهل كي يعود إلى الانخراط في المجتمع/ تخصيص مركزين لمعالجة الإدمان : أحدهما للشباب والآخر للفتيات ، مع افتتاح مركز للمدمنين القاصرين في طرابلس . 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *