كان غير شكل الزيتون

Views: 170

د. جان توما

أيُّها الزيتونُ المباركُ، حبّة وزيتًا، ما لي أراك حزينًا؟ أنت ملحُ الأرض، وسمكُ البرّ. ذَهَبَ إليكَ الأجدادُ تمسّكًا بالتراب، فَنَمَتْ جذورُك في باطنِهِ، وَصِرْتَ إليه كما يصيرُ ليلُ العاشقين في مُقْلَتَي حبيبٍ، فكانَ قلعُ كلِّ شجرةٍ هدمَ تاريخ ٍ،وتحويرَ هويّةٍ، وإسقاطَ جنين.

هكذا فجأة، راحت آلاف القامات الزيتونيّة، قُطِعَتْ، نُحِرَتْ، بالمعاول، بالجرافات، أُعْدِمَت، لأنّ التاريخَ يشهَدُ لسواعدِ الأجيالِ، وتعاقُبِ فصولِ الحياةِ، ولعرقِ الذين مرّوا وارتشفوا، وهم في موسمِ قطافِ حبّاتِ الخيرِ، قطراتِ ماء من عَرَقِ الجبالِ الملأى بدمعِ السماءْ، قبل أن تنزلَ، في الإبريق، مرايا الماءْ.

أيُّها الزيتونُ الذي يحكي قصص العمر الذي راح، ويروى جهادات الملتصقين بجذور الأرض، غدرناكَ، اقتلعناكَ، رحّلناكَ ونسينا أنّا غدرنا بأنفسنا، واقتلعنا قاماتنا، ورحّلنا تاريخَنا وماضينا، ورواةَ ما مضى المبدعين، إلى حضارة نتعرّفها بلا هواءٍ، ولا سماءٍ، ولا نسمةٍ منعشةٍ، ولا رذاذٍ من نهرِ ماءْ.

كم أخذنا عجواتِ حبّاتِك، وحففنا على الحيطان أطرافَها، وأدخلنا خيطًا رفيعًا فيها، وسبّحنا، وافتخرنا بما صنعته أيادينا، وما كنّا ندري أننا كنا نعدّ عدد ما قطعنَا، وعدد أيام عمرنا التي خسرنَا، وعددَ الأحلامِ التي فيها كنا نرتاح على جذعك حيث كنت لنا مسندًا. راح المسندُ الذي كان ملتقى المحبّينْ، وملمس أيدي المزارعينْ، ومواسم القطاف والتعفير.

أيّها الزيتونُ، ابقَ بيننا، كي يكونَ بكَ الوطنْ، وبه نوجدُ ونكونْ.

***

*اللوحة للفنان حبيب ياغي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *