محمود عثمان شاعر المكمل… يغني للوطن

Views: 1544

الدكتور عماد بسام غنوم

ولد شاعرنا الدكتور محمود عثمان على سفح جبل المكمل، في قرية تقول الحكاية إن طائر الرخ أو الفينيق الأسطوري أعجب بها وبجمالها فاختارها مكانًا لوضع بيضة نادرة لا مثيل لها في العالم، وهكذا عرفت هذه القرية ببيت الفقس، حيث فقست بيضة الفينيق العظيم، ومنذ تلك اللحظة، لا زالت بيت الفقس تفقس لنا كل حين شاعرًا، يسيل رضاب الشعر على شفتيه.

نجد شاعرنا يقول في قصيدة “ثلج“:

يعودُ الثلجُ للقرية
ويغمرُ سقفَ مدرستي
ولكن أين من سكَبُوا
نبيذَ الشعرِ في شفَتي
سألتُ فَقِيلَ قد نامُوا
هنالكَ في حديقتِنا
ويحرسُ نومَهم سُورُ !

لا عجب إذًا عندما نعرف حجم جمال قرية الشاعر أن ندرك سبب سيلان الجمال شهدًا في قصائد عثمان، لا سيما عندما يحدثنا عن الوطن والأرض، لا بل إن جمال طبيعة القرية يفيض حقولاً زاهرة زاخرة، تنسكب في المرأة والأرض والوطن.

فللأرض مكانة خاصة في ذات الشاعروفي قصائده،وهو الذي ولد بين الحقول وعشق تلال قريته وروابيها،حتى ليغدو جمال الحبيبة المختبئ تحت الثياب كجمال الضنية تحت ثلوج الشتاء،يقول في قصيدة “أسرار”أيضًا:

كضنيتي أنت تحت الثلوج     بياض يشع وسحر وطهر

ويخص الشاعر ضنيته بقصيدة من قصائده،يقول في قصيدة “يممت وجهك” مستحضرًا عناصر الطبيعة:

يممت وجهك يا ضنية الشمم   فموطن النسر مهما غاب في القمم

النبع يهدر في قلبي وفي شفتي    ويخفق الحب في صدري وملء دمي

ويمسي الشاعر حارس الأرض والتلال في قريته، يقول في قصيدة “شمس كنعان“:

عيَّنتني الشمسُ ناطورًا على فجر التلالْ
أتقصَّى شهقةَ الأرض وأنباءَ الجمالْ

ولا تقتصر أرض الشاعر على ضنيته فطرابلسه تسلب قلبه،ولأجلها يترك رياض الحقول التي يحب ويهوى،يقول في قصيدة “الفيحاء”:

لأمشي في شوارعها  تركت الروض والحقلا

مغانيها مزينة    بأزهارٍ ولا أحلى

على ألحانها حبق     وفي أحضانها الدفلى

وهذا يدل على وفاء الشاعر لطرابلس التي تحتضن الجميع،حتى تنشأ بينها وبين ساكنيها علاقة حب متبادلة،يبادلونها الحب بالحب والوفاء بالوفاء. وللشاعر قصائد أخرى للأماكن في طرابلس كشارع نديم الجسر والميناء مدينة الموج والأفق،فبحرها الممتد يحاكي شموخ الجبال التي تحيط بقرية الشاعر،يقول في قصيدة “الميناء”:

صباح الخير يا مينا    شعاع الشمس يكفينا

دعي الأمواج هادرة فلا نلقي مراسينا

          ويقول في قصيدة “النارنج” متحدثًا عن سهر العاشق في طريق الميناء:

في شارعِ الميناءِ وحدَك ساهرُ
سيقالُ مَرَّ على المقاهي شاعرُ
بردُ الشتاءِ يحجُّ قلبَكَ مرَّةً
وعلى طوافِ العاشقاتِ مجامرُ
وأمام عينيكَ ارتعاشةُ نخلةٍ
وحجارةٌ منسيَّةٌ وقناطرُ

أما ما ما يميز قصائد شاعرنا،فهو حضور الطبيعة الساحر في جميع قصائده تقريبًا،فالبيئة الساحرة التيولد فيها تركت بصماتها في الشاعر،حتى ليصح تسميته شاعرالطبيعة،يذكرنا في أبياته بكبار شعراء الأندلس وكبار الشعار الرومنطقيين الذين وظفوا الطبيعة الغناء من حولهم في قصائدهم،تحضر الطبيعة عند الشاعر تتماهى فيالوطن،في المناجاة والتأملات،في الشهوة وفي الشبق،وقصائده ربيع وورود وأزهار وجبال وثلوج،وسنكتفي بمثال واحد على ما نقول،يقول في قصيدة “معك”:

أحب ارتشاف الربيع معك   حبيبيفهات اسقيني أدمعك

يهيج عشقي زهور الحقول   فتغمر من لهفة أضلعك

شعر محمود عثمان فيض جمال، واتحاد وحلول في الطبيعة وأرض والوطن، يغني شاعرنا قصائده للوطن والحب والحياة، كيف لا والشعر تفجر على شفتيه من ينبوع الجمال، من ضنيته ومكمله وبيت فقسه، وطرابلسه ومينائها. محمود عثمان شاعر تسكنه قرية امتدت حتى صارت وطنًا، وجمال فاض حتى بات نهرًا، وحب مكملي يفيض على الوجود.

محمود عثمان قبسة نور من جبال الضنية، ورسول الكلمة الجميلة العاشقة، ينشدها ألحانًا لا تنتهي، سنستمع إليها دومًا مع هدير مياه جداول الضنية، ومع  ذوبان ثلوج جبل المكمل الذي يتجدد فيجدد الحياة كل عام.

طرابلس 29/ 11/ 2023

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *