في حديث الفكر والشعر

Views: 788

إخلاص عبد الهادي

 يعتقد كثيرون أن الشعر والفكر خطّان متوازيان لا يلتقيان، ذلك أن الشعر، في نظرهم، يعتمد على العاطفة والخيال، في حين أن الفكر مركزه العقل في شكل أساس. لهذا هم يعتبرون أن الشاعر يتوجّه إلى عاطفة المتلقّي في حين أن المفكّر يركّز على العقل فقط لا غير.

 في الحقيقة، إن هذه النظريّة قديمة وقد تجاوزتها المفاهيم الجديدة للفكر وللشعر في آن. فلم يعد أحد يعتقد أن الشاعر يجب أن يستند إلى الفكر في حين أن المفكر يمكنه أن يستغني نهائيّا عن القلب. والدليل على إمكانية الجمع بين الشعر والفكر تجربة المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمّادي (علي الشُرَفا).

 ففي الطبعة الجديدة من كتابه “أحوال العالم العربي (حوار واستفسار)” ينشر الشرفا، إلى جانب المقالات والدراسات الفكريّة، قصيدتيْن إثنتيْن: واحدة بعنوان “مصر المجيدة” أهداها إلى الشعب المصري بمناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة، والثانية بعنوان “عروبة حائرة” كان قد نشرها في “صوت الأمة” أواسط العام 2018. والقصيدتان من دون أدنى شك، منبثقتان عن التوجه الفكري العروبي لعلي الشرفا، لذلك هما تنتميان إلى الخط النضالي القومي وتنسجمان مع التوجهات الفكريّة المعروفة لمؤلفهما.

 

 واللافت أن القصيدة الثانية “عروبة حائرة” تبدو وكأنها كُتِبَتْ قبل أيام مع أنها نُشرتْ قبل أكثر من خمس سنوات. والسر في ذلك ان الكاتب لا يعالج الأعراض العابرة إنما يتوغّل في الجوهر ليعالجه وينظر فيه.

 إلى متى يا إخوتي

 تظلّ تشقى أمّتي

 وجسمها ممزّقٌ

 مسحوقةٌ عروبتي(…)

 إلى متى هذا الشقاق

 وكيف يلتقي الرفاق

 عروبتي دمٌ مُراق

 في كلّ قطر قصّتي(…)

 ويسقط الشهيد تلو الشهيد

 وشعبنا مكبّلٌ طريد

 ونسمع النشيد من جديد

 وتُسْتباح كلّ يوم حرمتي

 إلى أن يقف حائرا إزاء هذا التدهور المستمر في شؤون الأمة العربية ليطرح السؤال الكبير الذي يردّده كل شرفاء الأمة فيقول:

 أليْسَ بينكم رشيد

 يعيد مجدنا التليد

 وُيشرق الفجر الجديد

 وترفعون رايةً لعزّتي

 إلى أن يختم قصيدته الطويلة هذه بإعلان استعداده للكفاح وللنضال من أجل تحرير القدس من المغتصبين فيقول في أطول مقاطع القصيدة: 

 أرضنا في كلّ قطر تُستَباح

 وشعبنا يهوي وتُدْميه الجراح

 مَنْ يا تُرى يقوده إلى الكفاح

 يفكّ أسر قدسنا وغربتي

 في حينها سنحمل السلاح

 نحرّر الديار والبطاح

 بلا تراجع ولا نواح

 وعندها تجفّ دمعتي.

 

 إنه الفكر النضالي الملتزم يتجلّى واضحا في كلّ مقاطع هذه القصيدة. فالفكرُ فكرٌ، سواء صيغ ضمن بحث أو دراسة، أم تجلّى في لوحة أو قصيدة. وفي هذا إثبات على أن المفكر يمكن أيضا ان يكون شاعرا. فالشعر طريقة تعبير راقية، خصوصًا عندما يتناول قضايا نضاليّة كبرى. والمفكر علي الشرفا ورث هذه الروح النضاليّة عن المرحوم والده. وهو يؤكّد ذلك في حديث إلى مجلة “الصيّاد” اللبنانيّة نشره في كتابه، حيث يقول: “الوالد كان أحد المناضلين في منطقة الخليج أيام الإستعمار، وكان يكتب في جريدة كويتيّة اسمها “الكاظمة” وفي جريدة “صوت البحرين”، وكانت لديه الكثير من المخطوطات بينها واحدة بعنوان “نيل الرتب”..  وكان والدي على اتصال بالمراسلة مع محمد رشيد رضا”

 هكذا يكون فكر علي الشرفا قد ارتدى في بعض الأحيان ثوب الشعر من دون أن يتخلى عن التزامه النضالي بالقضايا العربية والإنسانية. على العكس فإن هذا الإلتزام قد أصبح جزءا لا يتجزّأ من شخصيته، بحيث يظهر إلى العلن تلقائيّا من خلال أي طريقة تعبير يختارها، سواء كانت مجرد طروحات فكرية متكاملة أم أختارت التعبير عن نفسها بالشعر البسيط والسهل الذي يجعلها في متناول كل الناس ومن كل المستويات.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *