“حبيبتي مريم” لهدى عيد… رواية جريئة وواقعيّة

Views: 770

الدكتور كامل أبو علي

الرواية الحقيقية تجرك إلى المغزى الذي يريده الكاتب،  “حبيبتي مريم” رواية جرتني خلال ثلاث جلسات لإنهاءها.  هي جداً ممتعة تشعر أنك تعيش تفاصيلها، تُجبرك على الإنفعال أو السكينة حين تقرأ كلماتها، تارة تحرك يدك أو رأسك وكأن تلك الكلمات تخاطبك لتفعل، وتارة أخرى تربكك لتعيد قراءة بعض الفقرات مرة أخرى علك تستجدي منها فهمك الفعلي لأحداثها.

في العادة قبل قراءة أي رواية أُقلّب صفحاتها وأحفظ في ذاكرتي التقسيم أو الصفحات التي سأقرأها على مراحل.  لكن ما أن تبدأ بقراءة “حبيبتي مريم” حتى تُبعثر ذلك التقسيم حين تكتشف الأحداث بسلاسة، مُجبرة إياك على المزيد علك تصل للنهاية بأقرب وقت. وكأن كاتبتها تريد منها أن تستل مخيلتك لتحويلها إلى مشاهدات واقعية ربما عشنا بعضاً منها أو مررنا بها.

فيها من البساطة ما يُمّكن أي قارئ أن يستنبط منها فحواها، وفيها من التعابير والصور التشبيهية الكثير وكأنها تستهدف القراء المخضرمين.

كما فيها من حكم أعجبتني دونت بعضها، منها على سبيل المثال:

“الحياة مازالت تحمل بعض الحياة”.

“أنّ من بين من يخترع الموت، ثمة آخرون يبتدعون لنا طرق الانبعاث منه”.

“بلدٌ يحيا موته بطريقة أو بأخرى”.

“من قال إن الحب يمنحك الحياة؟”.

“لا خسارة في الحياة ما دمت أنت قوياً فيها”.

“قد تدخل سرية من الكلاب مثلاً، فما يدريني؟”. اسوقفتني تلك الجملة مبتسماً وكأنها شتمت عني كل متكبر من يظن نفسه زعيماً يحكم.

التنقل بين الشخصيات وطريقة سردها بطريقة سلسة، رغم اختلاف صغير في أسلوب السرد ما بين الإبن حكيم والأب جوال غريب ومريم (القتيلة محور الرواية) وجودي، إن كان مقصوداً (وهذا ما أعتقد) فتلك ميزة فريدة تجدها في كُّتاب متمكنين، وقد استطاعت صاحبة “حبيبتي مريم” أن تشعر القارئ بهذا الاختلاف بطريقة جداً احترافية.  وإن لم يكن وقد يحدث كون كتابة رواية تأخذ أشهر يتبدل فيها الأسلوب ولا ضير في ذلك.

تظهر بين الفينة والأخرى تلميحات ما أن تتم قراءة الرواية حتى تربط هذه التلميحات الضرورية التي توصلك للنهاية، يبدو أن الكاتبة أرادت من القارئ أن يكون كمحققها (النائب العام) الذي يغوص بحثاً لتنجلي الأحداث.

أعجبني أسلوب مخاطبة القارئ الذي لم أعتد عليه في قراءة الروايات “أترك لكم الفرصة لتصغوا… أعترف لكم… صدقوني… نسيت أن أخبركم… عساكم تعثرون معي…” يُجبر القارئ بطريقة لاشعورية على التفاعل مع أحداث الرواية، أو لشد الإنتباه وكأننا جزء مما يجري وعلينا المشاركة في اتخاذ قرار ما.

تشبيه موفق لجيل التسعينات وما بعده “جيلاً رقمياً”، لكني تساءلت عمن ولد قبل هذا التاريخ كيف له أن يكون “مهاجر رقمي”؟ أبهذه السرعة باتت تتبدل الأزمنة أم أنه دخيل على عالم يصعب عليه التأقلم معه؟.

بأسلوبها الراقي مرغمة القارئ على القراءة العميقة لا السطحية، لم تظهر الكاتبة الأحداث بتراتبية زمنية، قد يكون ذلك فيه مشقة صغيرة على القارئ لكنه انغماس للتحليل وربط الأحداث.

رواية جريئة تحدثت عن المرأة، التعري، الجسد، وعن علاقات الحب.

رواية واقعية أعطت صورة واضحة عن السياسة، الفساد، التهريب والجمارك، الرشوة، عن إنفجار بيروت والضحايا، عن الغلاء وتدهور الأوضاع.  تاركة الفرصة للقارئ لمقاربة ما يقرأ مع واقعه الذي يعيش.

طرحت الكاتبة فكرة منتشرة في لبنان لكنها منبوذة عند رجال الدين، فاتحة المجال لكثير من النقد، وهي الزواج خارج النطاق الطائفي بين جودي (المسلمة) ودانيال (المسيحي). هي بالتأكيد تؤيد الفكرة وأشاركها الرأي، بيد أنها أرادت تسليط الضوء على موضوع هام يتم إهماله وتجاهله.

لا أدري كيف تفتق فضولي ومطالعة روزنامة هاتفي حين قرأت “في نهار جمعة وقع فيه الرابع من شهر نيسان العام ٢٠٢٠”. هل قصدت الكاتبة كلمة جمعة بمعنى أسبوع، كون التاريخ يصادف نهار السبت؟!.

فضولي لم يقف عند ذلك فلطالما فتحت لي الرواية حب الاستطلاع والتعرف على معلومات جديدة بحثت عنها في النت، منها لوحات الرسامين.

لا أعرف لماذا شعرت أن الكاتبة تحب الجزر المقشر مع قليل من الملح والحامض والكمون، سامحها الله فقد أثارت شهيتي (مع الكمون طريقة جديدة سأجربها يوماً ما) تمنيت القليل منها أمضغها وأنا أقرأ روايتها مستمتعاً.

“حبيبتي مريم” لم تعبر فقط عن أفكار كاتبتها وأسلوبها الراقي في الحياة الذي تدركه في انتقاءها للتفاصيل (كنب البرجير، أنواع الموسيقى، أسماء رسامين وكتاب…)

ولكنها كتبت عن أفكارنا نحن القراء. بالمختصر ومن دون مجاملات رواية أعجبتني وتستحق القراءة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *