ربيعة أبي فاضل عُضوُ مَجامعِ الاستحقاق بدون بطاقة

Views: 197

 الدكتور جورج شبلي

ربيعة أبي فاضل هو ابنُ الحضارتَين، حضارةِ الصَّفوةِ التي كَشَفَها الضّميرُ البشريُّ، وقد نَمَت علاقةٌ بين الرَّجلِ وبينَها، فكان سلوكُهُ النّاهِضُ على المحبّةِ والتّلاقي أَدَلَّ من أيِّ ثَراء، وحضارةِ الكتابةِ في أحضانِ المعرفة، هذه التي اعتنقَها، واغتذى من لِبانِها، فرشحَتْ عنه كلماتٌ أَسعَدَها الحظُّ باستحقاقِ اسمِه. 

مع ربيعة المُكَرَّمِ من الحركة الثقافية في أنطلياس، منارةِ الرقيِّ والكاشفةِ بحميّة أنّ في لبنان بعدُ قيمةً للفكر، لم يخطرْ ببالِنا أنّ الأدبَ سيعاني، بعدَ الكِبار، ضحالةَ تألّق، فأُخوّةُ الأدبِ التي عُرِفَت قبلَ ربيعة، في نادي الكِبار، مع توفيق يوسف عواد، وخليل حاوي، ومارون عبّود، ويوسف حبشي الأشقر، وفؤاد سليمان، وأدونيس، وميشال طراد، وسواهم، هذه الأخوّةُ صانَها ربيعة في صَوغِ اللفظِ والمعنى، ووصلَ الى مدارِ المؤثِّرينَ في الكتابةِ، من دونِ كتابِ توصية، وما صانَه عُدَّ من أنفسِ ما كُتِبَ بالعربيّة، لِذا، قد تمضي عقودٌ ولا يَحظى الأدبُ بربيعة آخر.

السرُّ في كَونِ ربيعة حالةً مؤثِّرة، أو قيمةً مضافة، أو كاتباً مُجيداً، يرجعُ الى حظِّ الموهبةِ في تحديدِ محطّتِها، في رَجلٍ يكادُ الهواءُ يسرقُهُ لُطفاً لاستقامتِهِ، كلامُهُ أَنِيقُ الجواهر، يستنبطُهُ من ينابيعِ صدرِهِ، ومعادنِ فِكرِه، فيقطرُ حُسناً تَرفعُ له الأسماعُ حُجُبَها. إنّ سرَّ امتطاءِ ربيعة شعاعَ القيمة، يكمنُ في أنّ الفكرَ يأتي أولاً، وبعدَه يأتي الورق، لذلك لم يرمِ باسمِ الفكرِ إلّا صائباً. إنّ التنوّعَ في تنظيمِ الثقافةِ الأدبيةِ والفكرية، في نتاجِ ربيعة، مُجيداً في الجَمعِ والتّصنيفِ، يَصلحُ لأن نُطلِقَ عليهِ عنواناً هو تلقيحُ العقول. فالسرُّ في إبداعاتِ ربيعة، يرجعُ الى قوّةِ شغفِهِ بمعالمِ الجَمال، والى تَعقّبِ البراعةِ مهنةً تليقُ به، والى الثّقةِ بالموهبةِ ابتغاءَ مَرضاةِ الأدبِ الزُّلال. لقد سلكَ ربيعة شِعابَ التّعبيرِ فتغلغل، وجالَ في ميادينِ التّصاويرِ فسَبَق، وأودعَ الشِّعرَ والفكرَ هيئاتِ الابتكار، فانتقلا، معه، من جنّةٍ الى جنّة.

لم يكنْ ربيعة من زمرةِ الأَتباع، ومن طلّابِ المغانمِ، ومن أربابِ الغايات، فما خطا لتحصيلِ مجد، ولا سعى الى مقامِ فخر، ولا حَرَصَ على علوِّ ذِكر. الموهبةُ التي لم يَعدْ ماؤُها، معه، طيناً، كانت بسطةَ رزقِهِ، وكذلك، جهازُهُ الفكريُّ المنتفِضُ من سكونٍ عظيمٍ الى دَويٍّ أعظم، لِذا، يجبُ تَوخّي الحذر، معه، عندما تقرأُهُ، لأنّكَ لا تَعلمُ من أيِّ جهةٍ تأتيكَ الدّهشة، أَمِن ضِفافِ المضامينِ الشيّقة، أم من التّعابيرِ القرميديّةِ الألوان، أم من رقيقِ الإحساسِ الذي يفيضُ بأرقِّ أنفاسِ الوجدان، أم من التّحليقِ في عوالمِ النُسكِ والتصوّراتِ الرّاقية، وبالنتيجة، لن تشعرَ، معه، إلّا بأنّكَ مخطوف. 

في الشِّعر، قالَ ربيعة : الشِّعرُ إذا مالَ عن الجَمالِ أصابَه عَوَج، فالصّورةُ هي أصلُ القيمةِ فيه. وربيعة ملّاحٌ ذوّاقة، ينتقي من تَلاطمِ موجِ التّصاوير زَبَداً يَلفِتُ نظرَ الشّاطئ. والشِّعرُ كالمرآة، تنعكسُ فوقَ صفحتِها دنيواتُ النّفس، فلا تُقرَأُ أبداً بالعيون، بل بالعَدوى، فبقَدرِ ما يُشغَلُ الشِّعرُ بصيانةِ الصّدق، يُسرعُ لُصوقُه بالقلوب. والسرُّ أنّ ربيعة لم يكنْ في الشِّعرِ نحّاتاً، بقَدرِ ما كان شاعراً.

في مذاهبِ القَول، الفكرُ الخلّاقُ هو بيئةُ ربيعة الطبيعيّة، بحيثُ شكّلَ الفكرُ، عندَه، القاطرةَ التي عبَّدَت دربَ نتاجِهِ الى النّجاح. والفكرُ ثقافة، ففي الثقافة، لم يكن ربيعة مجرَّدَ قاطِنٍ في هيكلِها، أو مُستَلقٍ متفرِّجٍ على ضفّةِ بِركتِها، إنّما دَرَجَ فيها بمسيرةٍ متصاعدةٍ لم تُقِمْ وزناً لتأثيرِ الجاذبيّة. 

ربيعة أبي فاضل، صاحبُ القلبِ الصّادق، ربَّتهُ أرضُ ” نابيه ” في حُجورِ الحروف، وأطلعَتهُ من أجلِ أن يكونَ جنسَ الأدباء، مُثبِتاً، في زمانِ الحداثة، أنّه ابنُ الجذورِ العميقة، العريقة، وابنُ النّور، ثمَّ تَحَوَّلَ، الآن، وهو الكائنُ النَّهريُّ عالي التطوّر، الى أبٍ من آباءِ الكلمةِ المعمَّدةِ بميرونِ الرّوحِ، والماءِ، والرّجاء. لِذا، لن يستطيعَ الزَّمنُ أن يُسقِطَهُ من حسابِ الزّمن، هو الذي قرأَ النّور كما تكتبُه الشّمس.

ربيعة، يا صديقي المتميّزَ بصفاء الرّوح والوطنيّة، إنّ كلّ كلمةٍ نضحَت بها قجّةُ حبرِك، تقول لكَ، معنا، شكراً.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *