رفقا … طَوافُ القداسةِ والتصوّف

Views: 96

 الدكتور جورج شبلي

رفقا، حديقةُ القداسةِ بالرَّغمِ من قساوةِ زمانِها، وما اصطبارُها على تلك القساوةِ سوى نتيجةٍ لِوَفرٍ في الإيمانِ، والتَّسامي، ومواسمِ الخِلال.

لقد أرسلَ اللهُ سراياهُ في مفاصلِ رفقا، ليوضّحَ معارفَ الإيمان، ويُنطقَها تأمّلاً قويَّ الأثر، لا تنصرفُ الأفواهُ عن الرّجوعِ إليه، والذّاكرةُ عن حفظِه. ورفقا النقيّةُ الجوهر، كانت دائمةَ الترصّدِ لكَشفِ خالقِها، بالرَّغمِ من تَفَشّي مرضِها، حتى تُبيِّنَ أنّ اللهَ خيرٌ، وحقيقةُ الحقيقة، ولا مجالَ، في الانتماءِ إليه، لاصطراعٍ بين الشكِّ واليقين.

تجربةُ رفقا، رياضةٌ روحيّةٌ متواصلة، وخَوضٌ في السّكونِ الذي أنسَت إليه، وهي تمضغُ المُرَّ من دونِ أن تشكو، أو أن تُشاركَ غيرَها في نبرةِ الوجع. لِذا، هي حالةٌ تتخطّى الزّمانَ والمكان، تجمعُ بين التأمّلِ العميقِ، وبينَ الخدمةِ بلا استكانة، وبدونِ أن يغمضَ لها رمشٌ في الحالَين، فبرزَت متوَّجةً بقرصِ الشّمس، عميقةَ الجُذورِ في مناخِ الإيمان، بريئةَ النَّبضِ في احتواءِ صورةِ المسيحِ في دَمِها.

كان صوتُها، على خُفوتِهِ، وطراوتِهِ، هَزجَ المزاميرِ التي تُحيطُ بالنّدوةِ المقدّسة، ودارَ رعايةٍ للمنتسِبينَ الى حلقتِها، وذخيرةً غيرَ مُلَثَّمةٍ لطالِبيها، لا تنقطع، فهي ما مرَّت، يوماً، بتَقَلّصٍ أو ركود، وكأنّها حَفلٌ مفتوحٌ في مملكةٍ عامرةٍ بالعطاءِ النقيّ. إنّ حضورَها ليسَ سحراً، أو رمزاً، كما في زمنِ الأساطيرِ الأولى، بِقَدرِ ما هو تَهيامٌ في أجواءَ طابِعُها مقدَّس، أَكيدُها لا يحملُ الجَدَل، مرتبطةٍ بفِعلِ الخالقِ الذي بينَه، وبين رفقا، طقسٌ وجدانيٌّ حافظَت عليه بأمانة، ونقلَته، بأمانةٍ، الى حَولِها.

رفقا لم تَحُزْ على عنوانِها قدّيسةً، خِلعةً من غامض، ولم تتلمَّسِ الإدهاشَ لذلك، لكنّ سيرتَها، وتضرّعاتِها المُستَتبَعةَ التي ترجو اللهَ أن يتدخّلَ لشفاءٍ، أو لمَنحِ بَرَكة، أو لإنهاءِ معاناة… رَقَّتها الى هذه الدَّرجةِ التي نادراً ما يتوفّرُ للزّمنِ موهبةُ التعلّقِ بالفَوق، وبَثُّ نداءاتِ الرّجاءِ التي تضمنُ ترجيعَ صداها، ومأمونَ نتائجِها.

لمّا تزلْ رفقا الرّاسخةُ في الإيمان، وكيلةَ النّقلةِ بين الشّفاءِ والوعدِ بهِ، مرتدِيةً زِيَّ القداسةِ الذي لم يخدّشْهُ تشويه، تَرسو الى حيثُ يستطيبُ لها الرُسُوُّ في حضنِ الله، وهو أَعمَرُ الجنّات، تُعانقُهُ صلاتُها من دونِ أن تَقصرَ كأَنفاسِها، مُطَرَّزةً باسمِهِ، وبصورةِ الصّليبِ مُخَلِّصِ العالَم، وبحنانِ العذراءِسَقفِ السّماء.

يا رفقا، قدّيسةَ لبنان، باسمِ الأُلوهةِ التي كوَّنَتكِ قدّيسةً منذُ حُبِلَ بكِ، أنتِ الأَدرَبُ في نَسجِ تضرّعٍ الى الله لكي يحميَ وطنَنا، ويصونَ أهلَنا، ويرفعَ عنّا معاناتَنا التي لم تَجِدْ لها نهاية…

شكراً رفقا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *