في رحاب ذكرى رحيل الفنان محمد علي الخطيب… لوحاته تذكرنا بمرور 5 عقود على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
الصحافي فادي الغوش
8 أيار/مايو 2025
كان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ثقيلاً علي الفنان والكاتب المسرحي والشاعر محمد علي الخطيب لما خلّفه من دمار وشهداء وجرحى وقد عاين آثاره بنفسه في صيدا، المدينة التي أحب …فكان انتاجه غزيراً من اللوحات التشكيلية المعبرة والقصائد التي تؤرخ المأساة وتُحرِّض على الرفض والمقاومة… فكانت لوحات “الحصار”، “الاعتقال”، و”الابطال الثائرين”، والكثير غيرها…
ولا عجب من ذلك وهو الذي سخر مواهبه وأدواته الفنية في الرسم والشعر والأدب والمسرح لقضايا الامة العربية ونصرة شعوبها المستضعفة…
كان منحازا لحقوق الإنسان في أي مكان في العالم فرسم وكتب عن عذابات المظلومين من عرب وزنوج وأفارقة….
اراد الفنان محمد علي الخطيب ان يحافظ على الذاكرة الوطنية لانها الاساس لتعلّم الانسان. فالذاكرة تحافظ على الجمال، العلم، المعرفة، الانتاج والاساليب.
لم يرسم فنان من قبل الحرب الأهلية اللبنانية كما رسمها الفنان محمد علي الخطيب في عشرات اللوحات الزيتية و المائية وباقلام الرصاص والالوان الخشبية (crayon de couleur).
الكثيرون كتبوا عن مرور 50 سنة على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام 1975، و عبروا عن مخاوف اللبنانيين من عودة ويلات حرب اهلية جديدة. و بالرغم من ان معظم الجيل الذي عاش الحرب الاهلية لا يريدها ان تعود، الاَّ ان هذه الذاكرة ليست راسخة في اذهان الجيل الجديد الذي لا يعرف معنى عذابات الحرب الاهلية.

كان الفنان محمد علي الخطيب سباقاً لعصره، يملك رؤية استشرافية..فالحرب عنده دروس وعبَر.. عمَدَ الى ان يُبقيها في ذاكرة كل الاجيال القادمة لمنع وقوعها من جديد. و ذلك من خلال استخدام اهم اداة لابقاء الذاكرة في عقول الناس، و هي الرسم. ان اللوحة أو الصورة ترسخ في عقل الانسان بشكل يصعب محوه مع مرور الزمن. ولو رحل الانسان، تظل اللوحة، ان حافظنا عليها، اداة تُذكُر دون ملل أو كلل.
و أضف الى ذلك انه كلما كبرت موهبة الفنان و قدراته الفكرية ازداد تأثير لوحاته على افكار المشاهدين. و لا بد من ان نذكر ان محمد علي الخطيب يملك موهبة رسم فذة وخلاقة و قدرة على التعبير بالاشكال و الالوان بشكل مُميَّز و عالمي.
وكان الفنان الخطيب يتلو على مسامعي دائماً انه يرسم ويلات الحرب ليُخلِّد ذكرى الشعور بالالم والحزن و العذابات التي عاشها اللبنانيون حتى لا يقعوا في الاخطاء ذاتها التي ادت الى اندلاع حرب اهلية ظالمة دمرت لبنان و سلبته جماله و روحه.
و خلال مرحلة الحرب، وقع الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، فكان لهذا الحدث الخطير و البشع جزءاً كبيراً من اعمال الفنان في الرسم و الشعر و النثر، و النقد الفني و الادبي.
و من اللوحات المؤثرة التي يصعب ان ينساها المشاهد هي لوحة “الطفولة و الحرب” الزيتية، لثقل موضوعها على قلب اي انسان. فالطفل الرضيع يبكي امه والدمار من حوله. جسد امه تحت الانقاض بجانبه، و لا احد يسعفهما. الحجارة كانها وجوه صارخة من شدة المها على الطفل و عائلته وويلات الحرب. و نرى شَعر الام يحاول ان يلمس طفلها لتشعره بالامان وانها معه حتى و هي تحت الانقاض. وحركة يدي الطفل و عينيه كانما تسأل ” كيف و ماذا بعد؟ وأي مستقبل ينتظرنا؟” و كذلك النور وراء الطفل كانه وهج نيران غضب صارخة في وسط سماء زرقاء. لعل الطفل و زرقة السماء فيهما الامل للبقاء في الحماية الالهية. و يظل الطفل صارخاً في وجوه الاخرين كجرس انذار من العودة الى التقاتل فالحرب.
و يجسد الخطيب أيضاً عذاب الشباب الذي يُعتقل. فنرى لوحة “المعتقلان” الرصاصية التي تُعبر عن حيرة المعتقلَيْن. فهما يرفعان رأسيهما الى اعلى و في ذلك شموخ و قوة. الا ان مستقبلهما مجهول. و كم من أُمٍّ فقدت ولدها الذي اعتُقِل او اختُطِفَ في الحرب، و كان الفاعل اما تابعاً لميليشيا داخل لبنان او عدواً غاصباً للارض.
و هناك عشرات اللوحات للخطيب عن الحرب التي يمكن الغوص في تفاصيلها. و هي تحتاج الى كتب عديدة لتحليلها. الاَّ ان الرسالة المشتركة التي كان الفنان محمد علي الخطيب سباقاً في محاولة نشرها هي ان نبتعد عن الإقتتال فيما بيننا. هي تنبيه للجميع عن بشاعة وقساوة الحرب ونتائجها كي نذكرها فلا تعود.
و تبقى لوحات الخطيب عن الحرب الاهلية و الاجتياح الصهيوني من اهم ادوات و محطات الذاكرة اللبنانية. و هي رسالة للانسانية لإنهاء الحروب. و هكذا يغدو الفنان محمد علي الخطيب داعية سلام لبناني عربي و عالمي.
***
*الصورة الرئيسية: لوحة “الطفولة و الحرب” للفنان محمد علي الخطيب. زيتية. 1984. من مرحلة الحرب اللبنانية.