الفِلذُ الغوالي

Views: 249

 
فردريك نجيم
*الى راغدة…
هذه البقايا من زمنها الطيِّب هي الفلذُ الغوالي التي تقيمُ في الذهن والخَلَدِ وجوارِ القلب ويرجى أن لا يكون لها آخر. شأنها شأنُ الكأس التي لا تُفرّغ الا لتُصبَّر وما أسعد الفم وهو يقبل على ما يُعاد من نعمتها، لأنَّ في هذه الإعادة إجادة. أليس تزوُّراً أن يقال عن الأشياء الحبيبة أنها ستزول، وكلُّ مشهوٍّ فيها سيبقى مجلواً. خابت نساجة الغبار فهي لغير محياها المشرق. أيٌّ أعرَضُ من صِغَر الصدر وهو متسَع تلك الفِلذ الغوالي، وأيُّ أفوهٍ من الصمت وهو متضمّنُها الذي لا ينفّد لما فيه. إنها تتأرَّجُ وتتموّج ثم تترقّص وتكونُ الغيبوبةُ التي تُخجل الصحوَ أبدَ الآبدين وهي في الوجدان ما يعايش التأمل وحده ، بعدما ذهب أملها ذهاباً آخر. كلما يرافق الذكر يلونها، فهي صهبٌ وشقرٌ وبيضٌ وزرقٌ وحمرٌ . وهي ذات ألوانٍ غير مدرية، ولكنَّ بينها وبين الحسّ النسبَ الذي يندرُ لصوقه. حسبها من عزِّ النَدَرَى أنها مجهولة، فربَّ جهالةٍ كانت للمعرفة محسدةً. إنما فتحُ العينين في متعة التصوّر مثلُ إغماضهما ، لا رؤيةَ بل مشابه الرؤيا، ظهورٌ معبورٌ وإذا هي في البال ماءٌ زُلالٌ أو نارٌ مُلَسَّنَةٌ وهي في ألوانها كطعمٍ وما أطيبَ ما يُذاقُ منها حديثها يحملُ عهداً كأنه يحملُ الدنيا ، إستعادةٌ واستزادةٌ وترقّبٌ يسوقه الطمع الحلو الى ما تُساقُ معه اللذائذ التي تقيمُ في الصميم إقامةَ الوصال الذي لا يبارح .
أوشَكَت ذكراها أن يُختمَ عليها كلما أرادت الرئتان أن تذهبا في أطولِ شَميمى ولا شيء أقدرُ من تحريك الليل الساهر من هبوب أنفاسها عليه. إنها تتمندلُ بالسحر ثمَّ تتدلّلُ وتجوِّلُ في مكامن الحنين وتُذيبُ يقظاته وتطيب، وتسكبُ في أعتقِ دنٍّ وأضْوَعِ حُقٍّ ولكن متى كان الدنُّ والحُقُّ أحب من مطاوي الضلوع؟ لأجلها ستبقى الأيام  المنضورة والليالي المُنضِّرة.
صورة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *