ربع قرن… طرفة عين!

Views: 257

حبيب أفرام
 
هكذا العمر.
تغمض عينيكَ وتحاول أن تختزله. يقفز إلى النور وجهٌ أو ظلُّه، مقهى سهرة أو الآه فيها، وقفة عزّ، بقايا علاقات ذكريات، أو ربّما… يبهركَ الفراغ.
هكذا العمر.
أو إنّه ربّما ليس هكذا. ربما أنّه ليس. ربّما أنّ العمر فراغ.
ثمّ، تتطلّع حولكَ، فلا تصدّق.
ها أنتَ في لحظة تلملم عمركَ.
ربع قرن. برهة في الزمن. طرفة عين.
يا الله، هذه الوجوه، هي هي، العيون، حتى بريق العيون، الأسماء حتى التي نسيتَ، الطلّة، الضحكة، ربّما مع قليل من ريشة الزمان.
لكن، لسنا كلّنا هنا. الذين راحوا وسقطوا في عتمة الموت باكراً. والذين هاجروا وسماء الوطن لا تكلّل رؤوسهم.
ثمّ نحن، الباقون لأنّ تراب لبنان وجعنا. أو مكرهٌ أخاك، لا بطل.
كنا نحلم ونخاف أن تهربَ منا قطعة حلم واحدة.
كنا نؤمن ونصدّق أنّ حبّة إيماننا تنقل وطناً إلى المجد.
كنا نحبّ ونكاد من ولهنا نغمر كلّ الدنيا ونقبّلها.
وها نحن نستعطي كسرة حلم.
كنّا. ما أسوأ أن تكون أحلى أيامك أمس.
كنّا نحن الشهود. كنّا نحن الضحية.
زحل الوطن من بين أيدينا.
من قمّة عزّه وصخبه وضجيجه وحرياته وانفتاحه وحضوره وتنوّعه وفرادته إلى انفجاره، إلى حروبه، إلى حروب الكلّ ضدّ الكلّ، إلى جنونه، إلى جنوننا.
كنّا نضجّ هموما.ً
عن الهوية والانتماء والنفوذ والطوائف واليسار والتقدمية والثورة وأبو عمّارها وسلام المنطقة والتقدّم والديموقراطية أسئلة شلّعت الوطن الصغير.
كنّا نضجّ فرحاً.
في الحركة الطلابية والمظاهرات والرفض، رفض كلّ شيء، وشعارات الحب لا الحرب ثمّ في “الكزدرة” في شارع الحمراء والكنفشة في بلس والتنظير في الهايد بارك، والاستعراض في البيتش، والاسترخاء في الميلك بار، وفوق كلّ هذا في الفرح الطالع من “أشياء أُخَرْ”.
على أنّنا بقينا.
غمسنا ريشتنا في حبر الحياة.
وكأنّنا اليوم ليس بين أصدقاء بل أمام محكمة الضمير وغبار التاريخ.
“باطل الأباطيل كلّ شيء باطل”. المال الجاه المراكز. وحده وجه ربّكَ وسع الكون.
وها هي، الجامعة،
“جمالها وافرٌ وفمي قليل”.
هي روح. وسام على صدر الشرق.
علّمتنا أن تكون لنا حياة، وأفضل،
إنّ الإنسان هو القيمة وتوقه إلى أن يقارب الله هو المبتغى.
وإنّ الحريات هي جوهره.
نحن نمرّ، هي تبقى.
صامدة في رسالتها على مرّ الأجيال.
فيها رفاق 78،
هل بينكم من أعطيه ما بقي من عمري
ليعيدني ذات مساء إلى ذات المقعد الخشبي في “الكامبس” لأغمر اليد ذاتها وأضمّها كالبركة كالرجاء.
هي غصّة. فقط. هي ومضة نار تحرق.
لكنّنا، بحكمتنا،
نعرف أنّ أحلى التاريخ هو غداً.
ومن يدري ربّما بعد ربع قرن من الآن سيكون بعضنا هنا هنا، فيقف أحدنا على هذا المنبر ويقول أنّ النصف قرن لحظة في عين الزمن. طرفة عين.
———————–
*كلمة حبيب افرام في حفل تكريم متخرجي الجامعة الأميركية لسنوات 1953 و1978
– قاعة الأسمبلي هول- حزيران 2014
 
 
 
صورة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *