لميا الدويهي: الأيقونة حالة روحيَّة تشترك الطَّبيعة  بأسرها في كتابتها

Views: 1264

حاورتها الإعلاميَّة ماريس ب

بين الكتابة بنبض المشاعر قصائد تصوغها بين دفتي كتاب وبين الكتابة بنبض الروح إيقونات تستقي من “كلمة” الله مشاهدها… تتوزع موهبة لميا الدويهي مازجة بين  جمال الدنيوي وسمو الماورائي  وتائقة إلى شفافية تضفي أبعادًا جمالية أينما يحل قلمها وتستقرّ ريشتها…

أنت معروفة ككاتبة عبر الصفحة الثقافيَّة في صحيفة “الأنوار” قبل إطفاء أنوارها، وقلَّة تعرف  إنك كاتبة أيقونات، وهي التي أودُّ اليوم مُحاورتها…  كيف اكتشفت هذا الفنّ المقدَّس؟

في فنِّ الأيقونات لا يوجد صدفة، بل تدبيرٌ من الله… قبل أحد عشر عامًا، التقيت بالأب شربل بو عبود، مدير المعهد الذي كان في بداية انطلاقته، وكان يُعلِّم، فقط، فنّ الفسيفساء بالتنسيق مع رافان-إيطاليا وكتابة الأيقونات بحسب التقنيّة البيزنطيَّة القديمة، واليوم تطوَّرت أقسامه؛ ولأني كنت أرسم، دعاني إلى خوض التجربة، وهكذا ولجتُ إلى عالمِ هذا الفنّ المقدَّس ومعالمه الروحيَّة التي تفتحُ أبوابًا نحو السَّماء…

لماذا نقول نكتب وليس نرسم؟

لأنَّنا نَنقلُ مشهدًا أو نصًّا من الإنجيل والنَّص يُكتَب، لا يُرسَم. نقرأ الألوان ومدلولاتها، والمشاهد من خلال الأشخاص ووضعيَّتهم. للأيقونة قانون إيماني ولاهوتي وروحي لدى الكنيسة الأرثوذكسيّة، نقرأُ أيضًا معالمهُ وتفسيراته.

كيف تُكتب الأيقونة؟

كان كاتبُ الأيقونة يصوم ويُصلِّي أربعين يومًا ليُلهمَهُ الرُّوح القدس على تجسيد مشهديَّة الأيقونة التي كانت حكرًا على الرهبان، أمَّا اليوم يستطيع العلمانيُّون كتابة الأيقونة أيضًا، على أن يكونوا متعمِّقين بالإنجيل المُقدَّس، ويلتزموا بمدلولاتها ومعانيها وألوانها.

الأيقونة حدثٌ تم ّوأصبح خارج الزمن، لذا يمكننا رؤية أحداث بأزمنة وتواريخ مختلفة في أيقونة واحدة.

الطَّبيعة  بأسرها تشترك معًا بكتابة الأيقونة، لذا يتمّ إعداد الخشبة التي ترمز إلى الصَّليب، وتُزَيَّح رمزًا لجلد المسيح، ثمَّ تُوضع عليها قماشة ترمز إلى كفن السيِّد المسيح، وتُطلى بطبقات  عدة من نوع من الجفصين الطبيعي (Gesso، على مراحل قبل أن يتمّ حَفَّها لتصبحَ ناعمةً كلوحِ الزُّجاج وجاهزة لاستقبال الأيقونة. أمَّا الألوان، فهي طبيعيَّة مُستخرجة من التربة أو من الحيوان، تُمزَج بصفار البيض والخل والمياه المقدَّسة،  وتستعمل فراشٍ طبيعيّة، من وبر الحيوانات، ونبدأ بوضع الألوان من الغامق حتَّى الأفتح، كوننا مع الأيقونة نخرج من العتمة إلى النُّور.

ما هدف كتابة الأيقونة؟ وكيف بدأت؟

بدأت في العصور الأولى بعد الميلاد، وأوَّل أيقونة كتبها الإنجيلي لوقا لوالدة الإله مع إبنها.  بما أن الناس  كانوا أُميِّين في غالبيتهم، كان من الضَّروري كتابة الأيقونة لترسيخ الإنجيل في نفوس المؤمنين، فبمجرَّد النَّظر إليها، سيتذكَّر المؤمن، لا محالة، نصوص الإنجيل.

كم تستغرقُ كتابتها؟

هي حالة روحيَّة يحتاج الكاتب أن يلجَها، من خلال الصَّلاة والصَّمت والسَّكينة، سكينة القلب والنَّفس، وحينها قد يستمرُّ بعملِهِ لساعات، أمَّا كم تحتاج من الوقت لتنتهي، فذلك بحسب حجم الأيقونة والشخصيَّات الموجودة فيها والعناصر الأخرى كالأشجار والجبال والمعابد وأجنحة الملائكة والمياه… عدا عن أنَّ الطقس يؤثِّر عليها، وقد تحتاج الأيقونة  إلى وقت لتجفَّ وترتاح، قبل معاودة تطبيق باقي الألوان.

هل يستطيعُ أيٌّ كانَ كتابة الأيقونة؟ 

شخصيًّا أعتقدُ بأنَّها نوعٌ من الدعوة وكلٌّ مَن يشعرُ بها يستطيعُ المحاولة؛ ففي معهدنا الفنِّي الأنطوني نستطيعُ مساعدته من خلال تلقينه الأُسُس والتدريبات والمُشاركة في دورات يُنظِّمُها معهدنا بالإضافة إلى شروحات لاهوتيَّة… واختباره الشَّخصيّ وحدهُ كفيلٌ بأن يجعلَهُ يثبتُ ليُصبحَ في ما بعد كاتبَ أيقونات. 

ما هي مدلولات الألوان؟ وهل نستطيع تفسيرها على أيقونات سبقَ لك أن كتبتها؟

سأشرح ثلاث منها:

– في أيقونة والدة الإله التي تحمل الطفل يسوع على ذراعيها، نرى والدة الإله ترتدي اللون الأحمر وهو علامة الألوهة التي توشَّحت بها عندما حملت بالمخلِّص يسوع، وتحت ثوبها الأحمر ترتدي اللون الأزرق، علامة الإنسانيَّة، منديلها على رأسها، مُنتفخ بشكلٍ نصف دائري، علامة أنَّها مَملؤة من الرُّوح القدس، وعلى رأسها وكتفَيها ثلاثة نجوم، علامة البتوليَّة قبل الحمل وخلاله وبعد الولادة، يجلس الطفل يسوع على ذراعها الأيسر وكأنَّه يجلسُ على عرشٍ (من أحد ألقابها: كُرسيّ الحكمة) وبيدها الثانية تدُلُّنا عليه، علامة أنَّه مخلِّص البشر أجمعين، ونظرها موجَّه إلينا لأنَّها أمٌّ لنا. أنفها طويل علامة الاستقامة وفمها صغير لأنَّها في صمتِ الصَّلاة، أمَّا الطفل يسوع فيرتدي اللون المذهَّب علامة لطبيعته الألوهيَّة الخالدة والتي لا تتبدَّل ولا تتحوَّل، يحمل بيسارهِ الإنجيل ويبارك بيمينِهِ، ينظر إلى والدتهِ ليذكِّرُنا بشفاعتِها، وجهه وجه شاب وليس وجه طفلٍ لأنَّه الإله الكامل بالحكمة والنعمة والقامة، حول رأسه ورأس والدته هالتان مُذهَّبتان، علامة المجد الأزلي والنُّور الإلهي الذي لا يخبو والذي لا ينتهي ولا يحدُّه مكان أو زمان، وحولهما أسماؤهما بالأحرف اليونانيَّة: والدة الإله (Theotokos) ويسوع المسيح (Isos Christos) وعلى الهالة أحرف ثلاثة، تعني أنا هو الكائن.

-في أيقونة الضابط الكل، يرتدي السيِّد المسيح، ألوان والدة الإله نفسها ولكن بطريقة مُعاكسة، أي القميص أحمر اللون علامةً لطبيعته الإلهيَّة والمشلح لونه أزرق، لأنَّه توشَّحَ بالطبيعة البشريَّة ، رمزًا له كإله بطبيعتَين إلهيَّة وبشريَّة، هو صامت لأنَّهُ قالَ كلَّ شيء، يُبارك بيمينِه ويحملُ الإنجيل بيسارِه، قد يكون مَفتوحًا وعليه إحدى آياتِ الإنجيل، لأنهَّ البُشرى للمَلأ أو مُقفلًا لأنَّ المسيح قد أتَمَّ بشارتَه.

– مار إسطفانوس أوَّل الشهداء، يرتدي اللون الأبيض، علامة البرارة والطهارة والقداسة والتحوُّل من الموت إلى القيامة (هؤلاء هم الآتون من الضِّيقِ الشديد وقد غسلوا حُللهم وبيَّضوها بدمِ الحمل/ سفر الرؤيا ٧:١٤) بيده اليُمنى يحمل المبخرة لأنَّهُ كان شمَّاسَ البيعة، وعلى كتفَيه مشلح أحمر علامة الشَّهادة وبيده اليُسرى المُغطَّاة، علامة الطَّاعة، يحملُ الكنيسة  لكونِهِ خادمها الأمين الذي استشهدَ لأجل إيمانِه بها، وجديرٌ القول إنَّ الشُّهداء لا يُحبُّون الموت، فالمسيح حياةٌ وفرح، ولكنَّهم أَحبُّوا حتَّى الموت، فبلَغوا إلى الشهادة.

                                                                

        بطاقة تعريف 

لميا أ. و. الدويهي، من إهدن/زغرتا شمالي لبنان، مواليد ١٩٧١ خرِّيجة الجامعة اللبنانيَّة – الفنار اختصاص ودراسات عليا في علم الآثار، مربِّية ومدرِّسة في ثانويّة راهبات سيدة المعونة – فرن الشبَّاك، كاتبة، لها مؤلفان: “صفحات ملوَّنة في عمري، “أخطُّ لوجودي قدرًا”، خرِّيجة المعهد الفنِّي الأنطوني – الدكوانة بكتابة الأيقونات وتشغل منصب نائب المدير ومدرِّبة كتابة أيقونات.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *