ورقة تين

Views: 407

جوزف أبي ضاهر

صار التين في أواخر موسمه. بدأ وَرَقه ينزل من عليائه أصفر الوجه، جَعد البدن، ألبسه الغبار في أيام عزّه، ما أبعد الأيدي عنه. فلا تصاب بالدبق الذي يُشبَّه بكثرةٍ من الناس لا ترحم، ولا تطلب رحمةً.

لكن بين أوراق شجر التين ورقة تدّعي أنها سرّ عفاف ما كنّا سمعنا بها، لو لم تختر واحدة منها المرحومة حواء علامة تدلّنا إلى حيث تبدأ معرفة الحياة في مرّها وحلوها وسكّرها وقطرها، ولو قطرها لم يزد عن مقاس فمٍ، حسب المقاييس المتعارف عليها عالميًّا، منذ عَبَر أجدادنا، بعد غياب المرحوم آدم وزوجه المرحومة حواء، عن وجه الدنيا التي تركاها لنا بجميع ما فيها من عللٍ وبعض عسل نحلٍ، لا يسمح بلحس لسانٍ، إلا بعد عقصةٍ قد تُصيب ما لمسته ومن لمسته، بورم لا يأتي من الألم، وليس ورمًا خارج البدن، يحي ولا يُمت، يورث، ولا ينتهي مفعوله في جيل، إلا إذا كان نسل المصاب بعدوى لم يُكتشف الدواء الشافي لها حتّى اليوم، على رغم أن العقص في عيال تؤكّد أمجادها، ورواسب اقطاعيّاتها في نسل المرحوم آدم الذي كان له الحق الأوّل (والوحيد الأوحد) في أن يختار ورثة بعد تقاسم عقصٍ بين ولديه للفوز بكرسي جلس أحدهما عليها، وورّث أولاده والأحفاد من دون أن يُذكر في التوريث نوع الكرسي: أمن الجلدِ، أم من الحديد، أم من القش الذي تُصنع منه القبعات خوفًا من ضربة شمس، لا يخاف منها غير الذين كانت رؤوسهم من شمع… وما أكثرها: في زمن مضى، في زمن حاضر، وفي زمنٍ آتٍ لهّابٍ…

نجنا ربي من مصاب غبار ورق التين ومن مصائبه.

Email: [email protected]

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *