قاطع الشجرة
إيلي معوشي
قاطع الشجرة لا تقل جريمته
عن جريمة قاتل إنسان…
الشجرة كائن حيّ يتنفس، ينمو ويعطي…
صامت لا يثرثر.. وديع متواضع..
* * *
أيتها الشجرة، يا بشير الأنس والفرح.
يا رسول الدفء والعافية.
يا مظلة الأمل. يا مرقص الطير.
يا أنشودة عابري السبيل.
يا ملكة الروض، أنت.
* * *
أمرُّ بك، في الصباح،
فتكتحل عيناي بطلعتك البهيّة…
وأمرّ بك، عند الظهيرة،
فتسعد روحي بطيب أنفاسك…
وفي العشية، أمرّ بك فتكونين،
أنت، حلم ليلتي…
* * *
الشجرة هي “خيمة البركة” على حدّ
قول أمين نخله في “المفكرة الريفية”:
“في الريف ظلان يحلو لظهر الأرض حملهما:
ظلّ الشجرة وظلّ الفلاح.
يدلّ الأوّل على أنّ التربة جيدة،
ويدلّ الآخر على أنها تعطي،
فلا ينبغي أن تُترك فكأن ظل الشجرة وفاء من الأرض للفلاح،
وكأنّ ظلّ الفلاح وفاء منه للأرض.
والشجرة في الغابة كالرجل في الشارع:
لها ألف نظير.
أما حين تنفرد في حقل، أو على رابية،
أو عند منعطف طريق، فهي ملعب الريح،
وملتقى الطير ومائدته ومرقص مناقيره
بين الورق والثمر… فيما خيمة البركة:
“هنيئًا لنا بانفرادكّ”
وفي موضوع آخر، يقول “الأمين”:
“…والدرب في الريف بيضاء،
تتلوى في خضرة، وفي المدينة سوداء،
فاحمة، يعوزها الشجر، على الجانبين،
لتأنس بعض الأنس فوق ذلك السواد الطويل…”
* * *
الشجرة – لو عرف الإنسان – هي أعز أصدقائه:
“مينو دروويه” الفتاة الفرنسية ذات التسع سنوات،
في الخمسينات من القرن الماضي:
وضعت كتابًا سمّته:
“L’arbre mon ami”
ولم تسمّه مثلاً:
“L’homme mon ami”
* * *
الشجرة صديقة وفية،
لا تراوغ، ولا تمالق، ولا تطعن في الظهر…
* * *
هل جلست يومًا، في ظلّ شجرة،
قرب جدول رقراق،
ماؤه لُجَين وخريره همس حبيب لحبيب؟…
* * *
أليس أن تقع عيناك على شجرة خضراء
في حديقة دارك، تضحك أوراقها
وتُشعّ ثمارها، خيرًا من وقوع عينيك على حائط
بيتٍ يابس لا حياة فيه؟…
* * *
لبنان الأخضر حكاية قديمة
غارَت في ذاكرة التاريخ…
لقد اغتالوا هذا اللبنان
ورفعوا، مكانه، الحجارة اليابسة والباطون والحديد،
فمنعوك من الهواء النقي والمطر المحيي،
ومن الرقة والأناقة والجمال…
لقد قالها الأديب اللبناني فؤاد سليمان
منذ أكثر من ستّين عامًا…
ويبدو أنّ الآتي أعظم…
* * *
قاطع الشجرة:
عقابه هو أن تُقطع يَده…
* * *
“إزرع ولا تقطع”
أو “إقطع ثمّ إزرع”…
