من ديوانية كمال الصليبي (1920-2011) II…بين المؤرخ والروائي
سليمان بختي
روى لنا كمال الصليبي غير مرة قصة صلاح الدين الأيوبي ودوره وسياقه بتفاصيل ودقائق مذهلة وعلى مدى ساعة ونصف، وكأنك في فيلم سينمائي مشوّق. وكان يصرّ على استخدام مصطلح “حروب الفرنجة” معتبراً أن مصطلح الحروب الصليبية هي تسمية الغرب لحروبه، أما تسميتنا نحن الذين أدرى بشعابنا فهي حروب الفرنجة.
تحدث أيضاً عن ذكرياته في مدرسة برمانا العالية وكيف استدعى المدير الانكليزي والده الطبيب سليمان الصليبي لإبلاغه أن ولده كمال “غير نافع” بالمنهج الدراسي المقرّر وأنه يقرأ ويهتم بأشياء لا علاقة لها بالمنهج أو بالمقرّرات المدرسية المطلوبة منه. وإن علاماته تتأرجح من الأدنى إلى الأعلى ولا تستقر. ونصحه أن يكون مشرفاً على العمّال في مزرعة والده. لم يقبل والده هذا الكلام إطلاقاً، وقال للمدير: “أعرف ابني وأعرف مبلغ ذكائه. ولكنكم لم تفهموه ولم تقدّروه”.
من برمانا إلى رأس بيروت سجّله والده في الانترناشونال كولدج ومنها إلى الجامعة الأميركية متفوّقاً، فإلى لندن حائزاً على شهادة الدكتوراه في عمر الـ26 سنة. ماذا فعل الصليبي؟ بحث عن مديره الانكليزي في لندن وزاره وبيده شهادة الدكتوراه. هنّأه المدير واعتذر منه مراراً وتكراراً وقال له: “والدك كان على حقّ لم نفهمك”.
أحبّ كمال الصليبي رأس بيروت حبّاً جمّاً وكان يعتبرها رئة بيروت ولبنان والعالم العربي. وقد سكنها منذ عام 1943. قال: “أنا أعيش في رأس بيروت. ولهذا السبب أعتبر نفسي بيروتياً وإن كنت في الأصل جبلياً من جوار قرية بحمدون. في الأيام التي أمشي فيها في بيروت منطلقاً من ناحية المنارة إلى فرن الشباك أو إلى أقاصي هضبة الاشرفية عند كرم الزيتون المطلّ على مزارع سن الفيل، كنت أميّز في طريقي بين المباني والبيوت التي يعود عامها إلى نصف الثاني من القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين (زمن تركيا الفتاة). وتلك التي شُيّدت في زمن الانتداب الفرنسي أو بعد خروج الفرنسيين من بلادنا. هذه المباني والبيوت زالت بمعظمها من الوجود مع الوقت، لكني ما زلت أراها في مخيّلتي قائمة حيث كانت”.
وأختم بما قاله عن الطقس في بلادنا: “أجمل الفصول في بلادنا خريف بيروت وصيف الجبل وربيع الشام وشتاء القاهرة”.
