حقائب السفر

Views: 802

د. جان توما

فجرًا، من شرفتي، سمعت همسات وتمتمات ووشوات بدت لي لمجموعة من الشباب والصبايا، وفعلًا وجدت كوكبة من طلاب جامعيين يتبادلون التحايا وكلمات وداع. اتضح لي أن أحدهم ضبضب حقيبته ويستعد للهجرة.

سمعت اضطراب قلوب، ولمحت دمع عيون، وفاحأتني حشرجة أصوات شابة لم تقو على تسهيل لحظة الوداع. كانت أبواب سياراتهم مشرّعة، فيما أعينهم مشرّعة على مستقبل لا يرونه إلّا خارج الحدود، وفي مناطق خلف المحيطات.

لم ينته الوداع سريعًا، إذ كلّما صعدوا إلى سياراتهم، عادوا وترجلوا منها، يعانقون الشاب المسافر ويدعون له بالتوفيق. هذا كلّه كان يجري دون كلام، كطلوع شمس ذلك الفجر الحزين.

حين كانوا ينظرون في وجوه بعضهم، كنت ألمح حقائب السفر موضبة لكلّ واحد منهم، يتوزّعون في أقاصي الدنيا وخلف البحار السبعة. لماذا كتب على هذا البلد أن يبقى شبابه أسرى حقائب الرحيل؟ ولماذا كُتب على الوالدين هنا أن لا يروا في إغماضة أعينهم الأخيرة ابتسامة أبنائهم إلًا على عجلٍ، آتين من سفر أو عائدين من غربة.

كم من مجموعة شبابيّة تستعد، اليوم، لفرط سبحة لقاءاتهم لتتوزّع كلّ حبّة في قارة؟ يقيني أنّ الجيل الجديد، على الرّغم من تطوًر التكنولوجيا وسهولة الاتصال، ما زال يؤمن بأنّ هذه النقنية التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة لا ولن تقوم مقام لقاء الوجوه، والسير في دروب الوطن وبين الأهل والأحبة.

خذوا العالم واتركوا الشباب يتجذّر هنا… ليحيا الوطن.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *