“لينا مطر” حكاية لا تنتهي فصولها… نصب تذكاري وجمعية باسمها لتنمية العلم والمواهب

Views: 9

تحت عنوان “الصبية لم تمت… إنها نائمة” ولمناسبة مرور ستة أشهر على وفاة الأستاذة لينا جربتزوف مطر زوجة الأديب سهيل مطر ووالدة زياد ووسام ورواد، نظمت العائلة لقاء في بلدة تنورين مسقط رأسها، جمع الأصدقاء حول قداس وجناز لراحة نفس لينا ترأسه المطران منير خير الله، في كنيسة سيّدة الانتقال- تنورين الفوقا، سبقه إزاحة الستارة عن نصب تذكاري للينا نحت الفنان رودي رحمة في حديقة منزلها في تنورين.

شارك في اللقاء كورال سيدة اللويزة بقيادة الأب خليل رحمة، والمرنمة المميزة: جومانا مدوّر.

في المناسبة ألقيت كلمات  وفاء للينا لكل من:  الشاعر غسان مطر، الفنان رودي رحمة، زياد مطر (ابن لينا وسهيل مطر)، المطران منير خير الله،  الأديب سهيل مطر.

ليال نعمة

قدمت اللقاء الفنانة  ليال نعمة بكلمة من القلب جاء فيها:

شو الدنّي وشو طعم الدنّي، وشو تغيّرت الايام وشو صار بالبكرا…

يا حلوة الحلوات، يا أميرة الاميرات، يا لينا…

نحنا هون، طلّي علينا يا وجّ الفرح من مطرح ما انتي، من مطرح اللي بيشبه روحك وقلبك الحلو.

كلنا اليوم مجتمعين حولك وع اسمك؛ حبيبك سهيل وولادك، أحفادك وعايلتك، رفقاتك وأحبابك.

الساحة مليانة ومغمورة بالحبّ من يللي بيحبّوا هالبيت وبتحبّين.

يا ست الستات، يا ضوّ البيت وضحكتو، بعدك وبتبقي عنوان البيت لأنو “لينا” يعني لينا وسهيل، و”سهيل”يعني سهيل ولينا.

يا حبيبتنا، حرقتي قلوبنا عليكي، وبكيوكي الكبار والصغار؛ كل اللي عرفوكي!

شو سرّك يا حلوة؟

سرّك طهر روحك ونقاوة قلبك الدّهب.

سرّك انّك حبّ والحبّ عطيتي والحبّ أخدتي وللحبّ الكبير رحتي لألله.

كنتي المرأة المليانة ثقافة وعلم، مرا بكلّ معنى الكلمة، وميزتك إنك كنتي متواضعة، ما بتحبي التصنّع، عفويّة.

بوعدك مش رح اخدش تواضعك، رح إحكي عنك شويّ.

لينا، انتي متل حلو لإلي ولكل امرأة ولكل انسان.

متل للي بتعرف تتعامل مع الكبير والصغير.

متل للي قدرت حقّقت ذاتها وحقّقت بيتها.

متل الضوّ للي ما بيحرق.

متل التّعب الحلو للي كلّو فرح.

متل للي ربّت رجال وفتحت فيّن بيوت من حبّ.

متل الاستاذة للي علّمت أبعد من العلم.

يا وجّ الخير، طلتك فرحة، وملقاكِ ملقى، ولقمتك بتشبّع الرّوح.

 

يا حلوة الحلوات، علّمتي علم الرياضيّات وكنتي تعرفي منيح تحسبي كل الحسابات وبأحلا تدبير وحكمة، بسّ ما حسبتي هالمرّة حساب مرارة غيابك علينا كلنا…

بتذكّر ليلتها كنت أنا وفادي عم نتصارع مع كورونا المجرمة، وتلفن حبيب قلبك سهيل بدّو يقول وما يقول وهوّي للي خلق الحكي لإلو… وقف الكلام!

ومن يومها صار يحكي بكي، ويتنفس بكي، ويكتب بكي.

ليلتها غمرني وجع الحزن… زعلت كتير… زعلت من كلّ شي

زعلت من الشموع للي ضويتن، وسامحيني حتى زعلت منك وسمعتي صوتي عم بيعيّطلك ويعاتبك. وبين الحرارة والبكي والهذيان وجّك المضوي طلّ عليّي يراضيني وقلت معك “لتكن مشيئتك يا ربّ”!

 

لينا، انتي عرفتي منيح كيف تربحي قلوب أهل الأرض وأهل السما. رحيلك أبدًا مش عادي، بس انتي باقية، باقية فينا.

بحبّك وكلنا منحبّك!

اليوم نيّال السما فيكي ونيّالك بأصوات الملايكة بعيدة عن أصوات حزن الأرض والقلق… بعيدة عن نار الشّر للي متحكّم فينا وبإيامنا.

وجّك الحلو عم يغفا ع زند مريم وبقلب يسوع.

نامي يا حلوة الحلوات بسلام وصليلنا.

 

هلّلأ رح تطللي علينا ورح يفتح ع وجّك القمر شريك عمرك سهيل للي تعوّد كل يوم يوعى ويتصبّح فيه.

سوا كنتو عنوان اللقاء والجمعات

رح يبقى بيتكن مفتوح معو وفيكي، ومع زياد ووسام ورواد، مع إيلسا وناتالي وجويل، ومع أحفادك للي هنّي فرحة روحك ومعنا كلنا!

 

غسان مطر

تحت عنوان “ما سوى الموت” ألقى الشاعر غسان مطر قصيدة  توجه فيها إلى لينا قائلا: 

وجهك اليوم أم وجهك الأمسِ،

ماذا تبدّل فينا

سوى جرحنا والبكاء وجمر الأنين؟

هذه القسماتُ التي في الرخام

تُعيدك ذكرى،

ونسأل:  هل أنتِ “لينا”؟

وكيف نصدّق إن كنت لا تضحكين؟

كنت زنبقة البيت،

هل قطف الله عطرك

كي يتنعّم في جنّة الخالدين؟

سرقتكِ السماءُ

ولم يبقَ بعد الغيابِ

سوى عاشق يتهاوى

وبيتٍ حزين

عاشق

كلّ فجر يعود الى جرحه

ثم يغمر أوجاعه القاهرات

ويصرخ حتى الجنون:

“أيّها لحزنُ يا سيّد القلب

أوغلت حتى قتلت

ولم تشفِك الشهقات

ودمع العيون”

كلّما جاء يوم جديد تعود جديداً

كأنّك ربٌّ

ونحن الرعايا وعبّادك المؤمنون

ما الذي لم نَقُلْه وتعرفه أنت يا سيّدي

إقرأ الوجع البربري الذي

صار خبزاً لنا،

إقرأ الصرخات التي تتسلّلْ

عارية من ثقوب الحنين

إسألِ القلب ماذا يخبّىءُ في ضفتيه

سوى لوعةٍ

واشتياق الى أجمل الغائبين

ولمن بَعْدَهُم نتهيّأُ حين يطلّ الصباح

ونسأل أين همُ

فنرى الأرض مقفرةً

والصباح يتيماً،

ويابسةً أضلُعُ الورد والياسمين

وإذا لم تُعِنّا الحياةُ وأسرارُها

في احتمال العذاب وأسراره

فبمن نستعين؟

 

يا أخي

كذب الصبرُ

من قال عنه جميلاً

ومن ظنّه يطفىء النار

في مُهجِ الصابرين؛

عندما تنهض الذكرياتُ

تعود الوجوه الحبيبة

تستيقظ الآه نادبةً تتشظّى

وتحفر آياتها في خطوط الجبين

يا أخي،

ما سوى الموت يرأف،

فلتأتِ يا سيّدي

لنلاقي الأحبّة في نورهم

ولنرتاح من نارنا،

أيّها الأبديّ الذي فيك وحدك

سرُّ العزاء

وسرُّ اليقين.

 

رودي رحمة

 “ضِحكات عـَ شْفافا وَجَع”  قصيدة مؤثرة لرودي رحمة خاطب فيها لينا: 

“لينا” ..!! الوجَع .. دَبَّغ عْلَينا حْمال ..

بَعدو  طَري .. مْجَرَّح عا ضَهرو سْنين ..!!

جايِب دَمِع لـَ تْراب “تَنُّورين “

تَا يِجِبْلو  بْـ تَلْج الدَّفا عـَ جْبال ..!!

….

وفي عَتِم .. بَحِّة سَوادو  فال ..!!

شِفْتو  لِطي  خَلف البكي .. مِسكين ..!!

صَرَّخ  ..!! تا مَدْمَد دَمِعتو  سِنْسال …

….

و”لينا” الفَرَح .. بَعدِك .. ما عاد انْقال

والصَّوت .. حَسْره .. مال .. نَيَّم عَجِقْتو

متل استَحا بـْ صِفصاف .. دِبْلِت خَجِلتو

سَلِّه الزَّعَل .. لمِّي دَمِع يا سْلال ..!!

-فاضي القَدَر .. بالو  فِضي عا نَطِرتو

مات القَدَر .. تَوبَت بـِ حالو قُدِرتو –

..

و”لينا” الفَرَح .. صَلاَّ عا جُرْد البال…

صَلِّي يا روح البيت .. تـَيْضَلّو

قَمْح الوفا .. مَزروع بـِ مْحَلّو

رَحْ تَعِرفي .. مَحْفور دَرب البيت ..!!

وْلادِك  بـِ دَمعُن  هَبَّجًو الـْ “سِكَّيت”

ما تْضَيّْعي .. لـ دْموع بيدِلُّو ..

مَيِّة عْيونا ..مْزَلغَطا مِوَّال

ما تْضَيّْعي .. لـ دْموع بيدِلُّو

هيدا “سهيل مْوَزَّعُن عالدَّرِب

لَولَح فِيُن بوسات بيوَدّو الشُّهِب ..!!

رح تَعِرفي ..من حَرقِتُن لـ مْجال

نازل مَعِك .. كَرّ الشَّمِس بـِ شال

قَلِّك تَعي .. دَين الشَّمِس عِرزال

ودين السَّما من هون ما عادو غُرِب

 

إنتِه حَنونِه .. لـْ بُعِد بـِ فَرِّخ قُرِب

نَسَّم عا شَلْقِة ضَوّْ .. جاب غْلال

سْطيحِة خْيالو  عايشِه عَـلّلَهَب

تْفَيِّي يا دَغْشِه عا وَرَق الخْيال

-صدر الدّني مِليان من شوك الصَّلِب-

وَردُن نَحَت تِمسال  بـْ ازْميل الدِّهِب

حْصان الصَّدا بْـ عِرق الصَّخِر خِيَّال ..

بْـيِلْمَع جْنونو  بْـ ضَرِبتو … ويواصل

“لَمحِة بَصَر” من ضَربتو بْتِنْطال

وِنِيَّال يَلّلي بْـيَعرفا .. نِيَّال

“لينا”يا ربِّي ..: فْراح .. مَطمور النَّدِب

وتا يِِنْطمر ..  كان الفرح  رجّال

وكان لـْ مرا .. مَلوا الضِّحِك .. زِلزال

بَدّا نَحِت بـِ قْحوف رَنَّات  القَلِب

ضَلِّك تَعي .. لـْ ازميل بِيحبّ السَّكِب

تِمسالِك لْـ مَندور .. ما غَيَّر لـْ أحوال

ويش الصُّبِح .. بيغطّْ .. طَيرو  ما انْقَلَب

رخام الشِّعِر بيقول : .. بيتو اللي انْعَطَب

تا يِنحَتِك بـ زْنود مَطْرِقة العَصَب

إزميل  عُمري.. لـْ عارفينو  قْلال

كل مـَ انْجَرَح .. بازْميل تانِه بْيِنقَطَب

إزميل  عُمري.. لـْ عارفينو  قْلال

كَسِّر وَجَع .. قوم انْوِجِع .. وانْزال

مَـ الحبّ نَهنَه شوق عا قَدّ العَتَب

إزميل  عُمري.. لـْ عارفينو  قْلال

جَوَّات قُلبو .. عُرِس .. تاما يِنْغَلَب

“لينا” : ارْجَعي .. لـْ بَكوات

…!! عمـ تِشْحَد طَلَب :

قومي ضْحَكي .. بَرم الأرض عَـ زْوال

بْلاكي وِقِف .. يابِس حَنين الـ ْ”حالْ”

ومن حَالْنا .. هالعمر قَبَّع بالهَرَبْ ..!!!

بْـ مَنْفا حَفِر .. تَرتَق يَمين شْمال ..!!!

إزميل  عُمري.. لـْ عارفينو  قْلال

كَسِّر وَجَع .. قوم انْوِجِع .. وانْزال

“لينا” : ارْجَعي .. مَـ الكُسِرْ  في عِندو سَبَبْ

تِمسال بيتِك عَبَّق … والله وَهَبْ

وبيـ كلّ رَمْلِه دَمِع .. عُدِّي رْمال

مِشتاق صَدرو  لـِ النَّفَس صَفَّا خَشَبْ

ضِلْعو انْشَلَع  .. شِقِّي عا هالتمسال .

                                  لـْ لينا القلب

 

زياد مطر

بكلمة شكر وعرفان للينا الأم المشعة فرحًا وحياة توجه زياد مطر إلى الحضور معلنًا عن تأسيس جمعية باسم لينا مطر تكمل مشوارها في فرح الحياة:

اقعدت كتير فكر شو بدي قول اليوم

و بالآخر قررت استوحي من كبار الادباء و المفكرين

 

اول شي رح بلش بقراءة نص زغير

من الاديب الفرنسي

جان د’ورميسون

 

الآلام الجسدية مثلها مثل الجوع

الواحد ما بيتأمل الا نهايتها

 

اما الآلام الشخصية

المرتبطة بشخص آخر

فبالعكس هي بتخلد نفسها

 لانو هالاحزان

 قد ما نكرها

 بتضل تحمل فيها

جزء زغير من الشخص يللي منحبو

 

وما في شك انو بهالحالة

 منفضل الحزن على النسيان

لانّو باللحظة نفسها اللي منكون عم نتعذب فيها

الوجع الاكبر بيكون فكرة النسيان

 

الوجع اللي حاسينو نحنا كلنا بغياب لينا

لذتو الوحيدة انو بيسمحلنا نتذكر وما ننسى

 

و منقلب كل موجة حزن بتجتاحنا

الى بحر  من الفرح

وقت

منتذكر ابتاسمة لينا و ضحكتها

 

ومن ضلنا بعالم الادب

 

من الكتاب اللي باقرالهم كتير

اديب ياباني اسمو هاروكي موراكامي.

بكتبو موراكامي بيتناول موضوعات عديدة

بالاخص موضوع الحزن والفقدان والموت

 

ولكن بالنسبة الي الملفت اكثر شي

انو كتبو ما بتنتهي بطريقة تقليدية

ولكن بالعكس

كأنو بيوقف يكتب قبل بفصل او فصلين من نهاية الرواية

الشي يللي بيسمح للقارىء انو يتخيل كيف ممكن تكون تكملة القصة

 

لينا نامت قبل نهاية قصتها بفصول عديدة

و تركتلنا الباب مفتوح لنتخيل نحنا كيف نكملها

 

نحنا عايلتها اخترنا نكمل مسيرتها من خلال

الجمعية اللي عم نؤسسها باسمها

و عناوين فصولها هي

 العلم و الثقافة و الفرح

 

اليوم بتشكركم كلكم لحضوركم معنا رغم الظروف

وبدعيكم انو تتخيلو معنا كمان تكملة قصة لينا…

 

 

المطران منير خيرالله

استهل المطران منير خير الله عظته في القداس  الإلهي الذي ترأسه  بعبارة مرقس ( “الصبية لم تَمُتْ، إنما هي نائم” 5 / 39.) وقال:

قدس المونسنيور بيار طانيوس النائب العام وخادم هذه الرعية الحبيبة،

إخوتي الكهنة وأخواتي الراهبات، أيها الأحباء،

أيها العزيز سهيل.

يروي مرقس الإنجيلي عن “يأئيروس رئيس المجمع أنه جاء إلى يسوع وارتمى على قدميه، وسأله ملحًّا قال: ابنتي الصغيرة عمرها اثنتي عشرة سنة مشرفة على الموت. فتعال وضعْ يدك عليها لتبرأ وتحيا”.

فاستمهله يسوع ريثما يشفي المرأة المنزوفة منذ اثنتي عشرة سنة وقد دنت ولمست طرف ردائه.

“وفيما هو يتكلّم، يتابع مرقس، وصل واحد من دار رئيس المجمع يقول له: ماتت إبنتك ! فلا تزعج المعلّم. وسمع يسوع فأجابه: لا تخفْ ! يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك. فدخل يسوع البيت وقال للذين كانوا يبكون ويقرعون صدورهم: لا تبكوا ! لم تَمُتْ الصبية، وإنما هي نائمة ! فأمسك  بيدها ونادى قائلاً: أيتها الصبية قومي! فعادت روحها إليها، وفجأة نهضت”. (https://taylorsmithconsulting.com/)

أيها العزيز سهيل،

ستة أشهر مضت على غياب زوجتك لينا وكأنها البارحة.

وأتخيّلك كيف ارتميت على قدمي يسوع، يوم دخلت لينا العناية الفائقة بعد أن تملَّكَ منها فيروس الوباء كورونا. وبينما كانت حالتها تسوء بسرعة، كنت تتوسّل إليه، وأنت المؤمن به ربّ القيامة والحياة، وتقول: زوجتي حبيبتي لينا، وهي صبيّة، مشرفة على الموت ! فتعال وضعْ يدك عليها لتبرأ وتحيا وتعود إلي وإلى أولادها !

استمهلك يسوع بضعة أيام ريثما تتهيّأ للوداع، وما أصعب الوداع، لكي تدخل هي بعده في سرّ الحياة وتدخل أنت في علاقة مع هذا السرّ بالإيمان والرجاء. وكان يقول لك: آمن فتحيا زوجتك.

ورُحتَ أنت تردّد بعد يسوع، ولا زلت تردّد حتى اليوم، وستبقى تردّد إلى يوم اللقاء بها في الملكوت، الصبية لم تمت، إنما هي نائمة !

وبهذه الآية دعوتنا اليوم لنشاركك، مع أولادك زياد ووسام ورواد، الصلاة من أجلها، وهي نائمة، والصلاة تضعنا في صِلَة مباشرة معها ومع الله إله الحياة.

دعوتنا لنشاركك بالذبيحة الإلهية، ذبيحة الخلاص، ذبيحة الابن يسوع المسيح الذي ارتضى، في قمّة الحب الذي يبذل نفسه، أن يموت على الصليب ليفتدي الجنس البشري ويصالحنا بقيامته مع الله الآب لنصبح له بنين.

إننا نصلي اليوم، ولم يبقَ لنا سوى الصلاة والتشفّع وسيلةً، ونسأل الله بابنه يسوع المسيح وبشفاعة أمه وأمنا مريم العذراء، أن ينجيّنا من وطأة وباء كورونا، وهو يعود إلينا بمتحوّلات جديدة أخطر من السابق، ومن أزماتنا المتراكمة التي تتفاقم يومًا بعد يوم لتتركنا نتهاوى إلى الجحيم ولا من ناظرٍ إلينا من المسؤولين ولا مشفقٍ.

لكننا لن نستسلم إلى اليأس ولن نفقد رجاءنا بالمسيح المنتصر على الخطيئة والموت، لأن الرجاء به لا يخيّب !

وكان قداسة البابا فرنسيس قد دعانا، في اليوم الذي كرّسه للصلاة من أجل لبنان في الأول من تموز إلى أن “لا نستسلم، ولا نتعب من الابتهال إلى السماء وطلب السلام الذي يعجز عن صنعه الناس على الأرض”.

دعانا إلى أن نتوجّه إلى ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح “ونطلب المغفرة ونصرخ بقلبٍ منسحق مع المرأة الكنعانية: رحماكَ يارب ! نجّنا يا رب!”.

وتوجّه بنداءٍ إلى جميع اللبنانيين قائلاً: “لا تيأسوا، ولا تفقدوا روحكم؛ إبحثوا في جذور تاريخكم عن الرجاء لتزهروا وتزدهروا من جديد … ليبقى وطنكم لبنان مشروعَ سلام ويؤدي رسالته في أن يكون أرض تسامح وتعدّدية، وواحة أخوّة تلتقي فيها الأديان والطوائف، وتعيش فيها معًا جماعاتٌ  متعددة، وتفضّل الخير العام على المصالح الخاصة”.

على هذا الرجاء أتقدم، باسمي وباسم أحبائك ورفاقك الذين حضروا معنا والذين لم يستطيعوا الحضور، بالتعزية القلبية منك ومن أولادك ومن آل جربتزوف ومطر، طالبًا من ربّ الحياة أن يمنحك القوة على المثابرة في الشهادة لإيمانك ورجائك وأن يبقى قلبُك منفتحًا على الحياة وقَلَمُك يكتب للحق وصوتُك يدوّي في ضمائر المسؤولين عندنا علّهم يرتدعون فيضحّون في سبيل الخير العام وخلاص الشعب من مأساته. “ومن له أدنان سامعتان فليسمع”. أمين.

 

سهيل مطر

اختتم اللقاء الأديب سهيل مطر بكلمة كتبها بدمع القلب وحمّلها رجاء استمرار  حضور لينا في كل لحظة فرح تعيشها عائلتها وأصدقاؤها ومحبوها، ستبقى لينا دائمًا وأبدًا عنوان الفرح والحياة قال:

يا يسوع

ها أنا اعود

ستّة أشهر، وأنا بعيد، صحراء، ومنفى، وغربة موجعة.

أين كنتُ؟

كنت في الضباب، في الضياع، في الليل الطويل، وفي مدفن الطيب، حيث تنا وردةُ الحبّ الصافي.

بحثتُ عنها طويلاً، كثيراً، ركعت، صلّيت، بكيت، حوّلت الشموع الى مذابح دمّ ودموع.

سألتك عنها، يا يسوع، استعطفتك، ارتميت على قدميك، قبل وبعد،

احتويت مريم، أمّك، في صدري، استنجدت بكلّ القدّيسين،

نذرت قلمي وقلبي ونورَ عينيّ

وسألتك، يا يسوع:

قلّ لي:  أين هي؟  أنتَ اختطفتها؟  أين خبّأتها؟  كيف هي؟

لماذا، يا صديقي، يا يسوع؟  لماذا تخلّيتَ عنّي؟

لو كنتَ معي، لما ماتت لينا،

لو كنتَ معي، لدحرجنا الحجر سويّة،

ولكنّك تركتني.

لا تقل لي:  أنت، سهيل، تركتني،

لا يا يسوع، أقسم ، بكلّ ثانية من عمري، أنّني كنت معك،

صحيح، كنّا نناقش، نعاند، نتخاصم، نتحدّى، نعاتب…

ولكنّني ما كفرت ولا يئستُ، وما خنت أمانة، لا في مهد ولا على صليب.

ورحلت لينا، فجأة، خلسة، تسلّلت من بيننا، تركتني على قارعة العمر.

وتمرّ الأشهر الستّة، وانا وحيد، وها أنا، مع الأحبّة والأصدقاء، أعود إليك، يا يسوع.

ولكنّها لينا، تعود معي،

تدخل الى الحياة، من جديد، ومن باب الكنيسة.

أنظر إليها يا يسوع، ويا أيّها الأصدقاء، هي لينا، بقامتها، بعينيها، بطلّتها المشرقة، بضحكتها الحلوة،

ها هي تحدّق بكم، بكلّ الوجوه، ولو على أقنعة وكمّامات،

تنحني لسيّدنا، شكراً، للمونسنيور، لقدس الآباء، لرئيس الجامعة، للآباء جميعاً، لقائد الكورال، لجومانا الرائعة، لـ Télé-Lumière، لغسّان ورودي وليال…

تنظر الى زميلاتها والزملاء، الى طلاّبها، في الجامعة، في دار المعلّمين، في المدرسة، ترفع رأسها بهم وتفاخر.

تبتسم لأبناء تنّورين وبناتها، وكأنّها تقبّل كلّ من أضاء شمعة أو ذرف دمعة أو صلّى بغصّة وبحّة.

ثم اسمعوها تقول وشفتاها ترتجفان:

أغفروا لي هذا الغياب، يا أصدقائي، يا أيّها الأقارب والأنسباء، يا أيّها الآتون من بعيد.

سامحوني لأنّني أوجعتكم،

أعذروني لأنّني لم أودّع أحداً منكم،

ما أتيت لأفتح جراحاً، ولا لدموع أو وصيّة،

عدت إليكم لأقول لكم:  أنا أحبّكم، أحبّكم كلّكم ولا استثناء،

لملموا دموعكم، أطفئوا شمعة الجسد، أضيئوا شمعة الروح، وابتسموا

فأنا معكم.

أما أنتم الأقمار الثلاثة:  زياد، وسام، رواد، أنتم والكناين والأحفاد، أنتم عمري، وابتسامة ميسا تنبض فيّ رمزاً لكلّ الأحفاد.

أحبّوا بعضكم بعضاً، تذكّروني دائماً.  وأنا أفرح بكم، وألعب معكم، وأضحك.

أما أنتَ يا سهيل…

وسكتت لينا يا يسوع، ما أرهبها ساعة، يا ويلهم العشّاق تغتالهم المواعيد ويبلّلهم الحنين وهم لا يدرون، يا ويل من يقع أسير الفعل الماضي.

فاسمح لي، يا يسوع، وهي معك الآن بحضورها الساطع، أن أقبّل يديها، وأكحّل بالدمع أهداب عينيها، ودعني أطرح نفسي وردة على قدميها.

هي، قلت لك، يا يسوع، هي ليست حبيبتي وزوجتي فحسب، بل هي أمّي وابنتي، هي معلّمتي وملهمتي، هي قلمي، هي كأسي فأنا لم أدمن إلاّ عينيها، عيناك لي وطن، يا لينا.

 

شكراً لك، يا مقصوفة العمر.  أنتِ أيقونتي، أنتِ صنعتني، أنا مسكون بك.  أنتِ قربانة الأرض على ثغر السماء.

كنتِ طفلة، يا لينا، في الرابعة عشرة من عمرك، وكان الحبّ الكبير.

وأؤكّد لكم، ويسوع شاهد، أنّني أحبّك وسأبقى…

عندما كنّا اطفالاً في ضيعتنا الجرديّة هذه، كانت أمّي تلفّ لنا عروسة السكّر، فإن تساقط بعض الفتات على الأرض، كانت تُسرع الى القول:  لملموا فتات الخبز، إنّه وجه الله على الأرض.

الآن ونحن نخرج من الكنيسة، سنلملم، ملامحك، يا لينا، ونقبّلها إنّها وجه الله على الأرض.  وطوبى لأنقياء القلوب فإنّ لهم ملكوت السماوات.

 

ويا أيها الأصدقاء

بهذه المناسبة وبقرار من العائلة، أعلن إنشاء “مؤسّسة لينا مطر” للتربية وثقافة الفرح، ومن مهامها:

1-   تنمية العلم، ولا سيّما علم الرياضيّات Mathématique وتشجيع الفتيات على إتقان هذا العلم وتقديم المنح والجوائز للمتفوّقات بينهنّ.

2-   تنمية المواهب التي تبثّ روح التفاؤل والأمل وتبعث الفرح في النفوس ولا سيّما، في زمن الكآبة والقلق والسواد.

معكم، أيّها الأصدقاء، سننشىء هذه الجمعيّة، وستبقى لينا حيّة بيننا، بثقافتها، بفنّها، بابتسامتها، بروحها المرحة الطيّبة.

كلمة أخيرة يا يسوع

الصبيّة لم تمت، إنّها نائمة، بالله عليكم، أيقظوها بمحبّتكم.

وشكراً لكم.

     

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *