الناقدة رجاء كامل شاهين: نعيم تلحوق شاعر خرج من رحم المعاناة الوجودية

Views: 394

وفيق غريزي

إن النقد الأدبي يقل اهمية عن النص الأدبي المنقود نثرًا أو شعرًا، فهو أي النقد، يعمل على صياغة هذا النص مجددًا، ويظهر أماكن الضعف فيه وأماكن القوة. والحركة الأدبية تزدهر وتتطور عندما تكون الحركة النقدية مرافقة لها. وكتاب الناقدة السورية رجاء كامل شاهين ” نعيم تلحوق – دراسة في شعره ” هو عمل تناولت فيه شاعرًا رؤيويًا، صوفيًا، يؤمن بالانبعاث والحلولية.

غرابة

إن نعيم تلحوق هو شاعر حوّل الاستقراء والتعوّد إلى غرابة نفذت إلى المألوف واحالته جديدًا مشغولا، وحطت في الشعري محوّلة إياه فلسفيًا وفكرًيا وشعرًيا يحتدم فيه التأرجح والصرًع وصولا الى الهوية الشعرية، التي خطفها (تلحوق) وطبع عليها اسمه، وقاد قصائده بالأنا الشعرية والشكل البلاغي. وتقول الناقدة رجاء شاهين: “نعيم تلحوق شاعر الغرابة الجاذبة، أيقن أن مهمة الشعر ليست سهلة، ونجح في حلوله الفنية والثقة بأنه بوحدة المناخ والأدوات، بحيوية وطاقة لاشعورية، وحّد عالمه الشعري وما يتضمنه”. وحسب اعتقاد الناقدة فإن تلحوق نسي أو تناسى احيانًا، أنه حالم كسائرً الرومانسيين، تقطن في وجدانه رؤى وعواطف لا علم لاحد بها، بالذات الحميمة، الضميرية، المكتومة، فيبدع بها، ايضًا، عالما شعريًا اثيريًا، فالحلم اكبر من الواقع واجمل، غايته بذاته، ووهم السعادة فيه اعذب من يقينها.

 ان التكثيف عند نعيم تلحوق ارتبط بضبط المعنى وكثرة انتشار الجمل المفردة، الأمر الذي ادى الى كثرة وقوة الانخطاف والتكثيف اللغوي المعنوي، فاعطى الصورة الشعرية لديه، دورًا مطلقا تماشت وتماسكت جنبا الى جنب مع البلاغة.

 

فضاء تلحوق الشعري

عندما بدأ تلحوق الكتابة، ظهر وكأنه خارج من قلب المعاناة، شديد الوعي حاد البصيرة، تنداح في فكره وخياله دفقات التاريخ والذكريات، تتيقظ في وجدانه احداث امته، يعيش ويسري الوطن في شرايينه وخلاياه، فيعلن الثورة والنضال رافعا راية الشهادة، حاملا بيد بندقية وبالاخرى قلما، بين اضلعه الارض والحب، وصقل موهبته وفنه بثقافات الشعوب وثقافته القومية، حتى تفلّت الى عالم الحرية بانتماء جذوره بالفطرة والرؤى الحادة الهادئة، ليصل الى اختصار الكون عند كلمتي: الارض والقومية.

والناقدة شاهين لا تدرس شعر تلحوق بكامله، بل تختار وتنتقي بعض النصوص وتشرحها وتعلّق عليها باسلوب هو اقرب الى العاطفية الوجدانية منها الى النقد العلمي -المنهجي – المجرّد، وتدخل فضاءه الشعري من خلال هذه العينة من النصوص، وصولا الى المقاطع، فتقول: “اما النصوص القصيرة فتتضمن التكثيف والتكامل بين اللغة والقول الشعري. في لحظة شعرية ماكرة متصارعة مع نفسها، ثم القبض عليها بنجاح. اما المقاطع الطويلة فيتبعها طول التنامي والدرامي، لذلك فان العلاقات اللغوية تتخذ شكلا آخرً يحوّلها الى عناصر ومنها مركب منسجم في لحظة شعرية تستجيب لشرط التنامي، فيتم القبض عليها بصبر وتأن حتى يتكامل المقطع، بما فيه وبما يصدر عنه”.

التماهي

ترى الناقدة عبر اهداء تلحوق ديوانه “هي القصيدة الأخيرة” ان شاعرنا تفنن في تطويعه لخدمة مشاعره وانتمائه بالتبادل بين الباطن والظاهً والجمع بينهما تحت منطقة اسم الحبيبة (زوجته نرمين-الارض، نرمين-الوطن) اي تماهي الحبيبة بالارض وبالوطن، والجمع بينهما تحت مظلة نرمين، حتى بلغ التماهي او التوحّد بين الشاعر القومي وبين المرأة الارض، حدًا لا قدرة لأحد على الفصل بينهما، وهي تلك الرموز المطابقة في خياله والمجتمعة في قلبه ضمن حوارية داخلية ممتزجة بالنار التي تحرق كل شيء في هذا السبيل.

الشاعر تلحوق هو العاشق المتيم والمعشوق هو الوطن والارض والمرأة، ذلك العشق والمراوحة الابديان بين المرأة والأرض والرمز لكل منهما بالآخر، ما هو الا حالة فنية قابلة للنمو والاتساع.

 

معاناة وجودية

نعيم تلحوق خرج من قلب المعاناة الوجودية ورحمها ، يعمل على تغيير صورة الواقع القائمة عبر الكلمة الشعرية، مؤمنًا بأن الشعرً هو الذي سيغيّر العالم على غرار ما قاله الشاعر الفرنسي ارتور رامبو، وهذا ما اكدته الناقدة، اذ رأت ان نعيم تلحوق يستعيد واقعه الاليم الذي يقود الى الجنون، يستعيده في العلاقة مع المكان أي الأرض والوطن، من خلال احساسه بقرب فقدانه والرغبة في استعادته عبر جملة من التنبيهات والاشارات مع المعاناة يبثها الى المتلقي، لتقيم في نفسه، فيتقاسمها. وبالنسبة الى الزمن، فان تلحوق يسيّر الزمن ويصيّره.

وتعرب الناقدة عن إيمانها بأن نعيم تلحوق استطاع ان يبرز مفهوم الزمن والواقع، المتضمن اغلب المتناقضات الموجودة فيه. وعن الصورة الشعرية عند الشاعر، تجد الناقدة انه لابد للصورة الشعرية من ان تعكس تجربة انسانية خاصة او عامة، ومرتبطة بموقف من الحياة، باعتماده على قدراته في استيعاب الموقف الذي يعالجه بصدق، وبقوة سحرية كاشفة عن ذاتها، قادرة على الابتكار، وتوظيف الموروث للتجربة بقدرات استلهاميّة وحالة انفعالية، معتمدا على مخيلته ورؤياه الفنية والفكرية في خلق الصورة، وعلى حسه المدرك للواقع الذي يعيشه. ولكن لم يقرّر نعيم تلحوق مسبقا شكل الصورة او اسلوب بنائها، بل المواقف الانفعالية هي التي تفرض الصور المناسبة.

 ان الناقدة رجاء شاهين لم تتعمق في عالم نعيم تلحوق الشعري كما يجب، لتمسك بمفاتيحه الاساسية، ولم تجد فيه الا الانفعالات والرومانسية، وبقيت بمنأى عن مداركها، الاسطورية والرًمزية، والحلولية، والفلسفة الوجودية في هذا النتاج الشعري لتلحوق، وما اخذته على شاعرنا من وجدانية وانفعال ورومانسية، وقعت هي نفسها في دوائرها، فجاء نقدها عاطفيًا، انشائيًا، وتحليلا سطحيًا وهامشيًا….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *