جدلية الصراع من أجل البقاء:  حضارة أو إنسانية؟

Views: 389

حمزة منصور

ليس غريبًا أن يحتل درس “الحضارة وبناها الأساسية”الموقع الأول في منهج مادة الفلسفة والحضارات.

فمن بين العوامل المولدة للحضارات كنا نذكر لطلابنا عوامل الصراع من أجل البقاء.

ونورد لهم الكثير من الأمثلة التي تدلل على أن  محاولات الإنسان الأول “البدائي”لتذليل عقبات وتحديات البيئة والمحيط وظروف الطبيعة أدت حينئذٍ ،مع تراكم الزمن،إلى نشوء أولى الحضارات الإنسانية.من بين تلك العوامل فيضانات الأنهر السنوية(نهر النيل…)وكيف أن ردة فعل ذلك الإنسان  مقابل أخطار فيضانات تلك  الأنهر  أدت حينئذٍ إلى حدوث ثورة زراعية وما أعقب ذلك من بناء قرى ومدن وظهور التجارة والصناعة وصولا  للهدف  “اللاواعي ” الحضارة.

أما اليوم فلم نعد ، عند دخولنا الصف،بحاجة إلى شرح وسرد وإعادة وقائع تلك الأمثلة التحديات”المُحنطة”كما مومياء الفراعة مقابل ما سنقدمه  من أمثلة”طازجة” يدب فيها  “أكسير حياة جلجامش”.

اليوم يستطيع أستاذ مادة الفلسفة أن يقدم للطلاب عشرات الأمثلة الحية (الطازجة) عن صراع الإنسان ،أي هو، من أجل البقاء.

فوقوفك بطابور الخبز للحصول على ربطة خبز لك ولعيالك هو نموذج من نماذج الصراع من أجل البقاء.

وقوفك بالطابور للحصول على البنزين وشتى سلع العيش  وأمام المشفى والصيدلية هو إنموذج من نماذج الصراع من أجل البقاء.

وتاليًا إن إلغاء كل “المشاوير”والزيارات و”الكذدرات”وابقائك على الضروري منها هو صراع من أجل البقاء.

وتخليك عن شراء اللحوم والأسماك والمكسرات والعصائر  والفواكه والثياب لفترات طويلة هو صراع من أجل البقاء.

وما تحايلك على نفسك وعيالك لتوفير ما بقي من قرشك الأبيض لهذه الأيام السوداء سوى صراع من أجل البقاء.

إطفاؤك  كافة  أضواء المنزل  ولعنك من أعطى “أديسون”براءة  اختراعه الكهرباء ،والاقتصاد في الماء المستخدم من أجل تخفيف وقع الفواتير الظالمة هو محاولة من أجل البقاء.

أما تفتيشك عن طرق وأساليب لتوفير ما يأتيك من كفاحك التدريسي كأستاذ لتوزيعه بشكل “مجحف” وبطرق لم تخطر ببال الجاحظ نفسه ولا “بديكة أهل مروه” هو محاولة من أجل البقاء.

الجديد الذي سنضيفه لعناصر الدرس الأول “الحضارة وبناها الأساسية” أن محاولاتنا اليوم من أجل البقاء لا تدخل في إشكاليات بناء وصنع الحضارات كما كانت مع الإنسان البدائي الأول بقدر ما تدخل في محاولات الإبقاء على إنسانيتنا.

 والسبب  أن حضارة اليوم موجودة لكن للأسف إنسانيتها مفقودة.

حيث نحاول  في صراعنا من أجل البقاء الحفاظ على إنسانيتنا أمام وحوش الحضارة والتحضر والمتحضرين.

نحاول الحفاظ على الكرامة والعفة والشرف أمام مشاهد الطوابير وأمام مشاهد  فقدان قيمة راتبنا وما نحصله…فقط لنعيش بكرامة وحسب.

إذًا لم تعد إشكالية البشر اليوم الصراع من أجل الحضارة بل الصراع من أجل… الإنسانية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *