متى تُسوّى الجِبال بالأرض؟!!

Views: 179

أنطوان يزبك

 

“عندما تكون العوامل التي تلعب دورا في مجمع ظاهري كبيرة جدا ، تفشل الطريقة العلمي<ة في معظم الحالات..لا يحتاج المرء إلى التفكير في الطقس، وفي هذه الحالة يكون التنبؤ حتى لبضعة أيام قادمة ، أمرا مستحيلا.. ” (ألبرت اينشتاين).

 

قد يتجاسر البعض ليضعوا  أعلم علماء الكون البرت اينشتاين في ميزان التساؤل؛ وقد يشعر آخرون أن هكذا كلام في واقعه وحقيقته هو كلام من  الماضي ،ولكن يبقى الكلام الذي  لا يعوّل عليه الآن في عصرنا ،هو كلام  التنبؤات عينه حديث  المنجمين في ليلة سمر وضجر، فقد صار كلامهم فاقدا الصلاحيّة العلمية؛ وما توصّل إليه اينشتاين من مقولات علمية تجريبيّة  يبقى اليقين العلمي الاستنتاجي الوحيد الذي  فرضته علوم ذلك الزمان، وذلك حتى إشعار آخر وحسب! وما تأتي به حداثة العلوم اليوم فله بحث آخر ومقامات أخرى!!

  والعالم الآن  على ما يبدو عليه من معطيات جديدة، في  تطور مستديم إن كان  على خط تكنولوجيات عملاقة  غاية في التطور،  أو على خط مفاهيم جديدة ومعرفة علميّة سوف تسبق عقل الإنسان وإدراكه..

ومع ذلك لا يني الإنسان، يعيش على وتيرة القلق والخوف من الكوارث والزلازل وهو في كلّ لحظة يواجه فيها الكوارث الطبيعية يبدأ بالعزف والنفخ في  أبواق النهايات ويصرخ عاليا ان خراب الكون لا ريب وشيك.

والإنسان اعتاد منذ أن أدرك ووعى ذاته على ما يعرف بالنّبوءة المستقبلية ، يربطها بحياته اليومية وخبزه اليومي وعمله وفكره ومشاغله، وقد عرف الإنسان النبوءات والمتنبّئين فمن نبوءة حزقيال في العهد القديم إلى نبوءة القديس ملاخي الراهب الايرلندي القروسطي الذي تنبأ بنهاية العالم مع نهاية البابوية وقد تكلّم بوضوح باهر وملفت عن باباوات الكنيسة الكاثوليكية ، الواحد تلو الآخر حتى البابا الأخير وهو بحسب ملاخي ليس سوى البابا فرنسيس الحالي(و لكم أن تحكموا بأنفسكم فلا الكلام كلامي ولا أدعي تبني نبوءة مهما عظم شأن قائلها ، وأنا شخصيا لا أؤمن بهذا الكلام ولست سوى ناقله) ، وصولا إلى العرّاف الفرنسي  الشهير  نوستراداموس ( ميشال دو نوتردام) الطبيب والعالم وقارئ الفلك ومنجّم الملك  في القرن الخامس عشر الذي أرّخ لخمسماية عام من عمر البشرية وبقيت نبوءاته غامضة تفسّر بمئة طريقة وطريقة ، وفيها الحروب والمؤامرات والاغتيالات والانقلابات السياسيّة والصراع بين الشرق والغرب ، وأشهر ما قاله هو تلك الأشعار الرباعية التي وصف فيها الحربين العالميتين في أوروبا ، وهلم ّ جرّا..

أما اليوم فما هي حالنا وما هو واقعنا والأرض تهتزّ والناس يعودون إلى الصلاة بجموح غير مسبوق فلا نستفقد ربنا إلا في ساعات الشدائد والحروب والأوبئة والزلازل ؛ وذلك يحصل ونحن نعيش على إيقاع نبوءات أكثر حدّة وأكثر غرابة إذا استمعنا واصغينا إلى أنبياء التلفزيونات أبناء النيو تراند الذين ولدوا في العصر الجديد المفارق عن الذي عرفته البشرية حتى الآن!

وما فعلته الحضارة الغربية أنها قامت واستبدلت وسيلة إيمانية بأخرى إذ بالأمس كان نوستراداموس هو السائد الملك واليوم صارت عائلة سيمبسون الأميركية المؤلفة من الشخصيات الافتراضية الوهمية  الكرتونية هي التي تعرض في التلفزيون أحدث الأخبار والآراء وما صار والذي سيصير، وهي على ما يبدو تعبّر عن آراء من صنعها ورسمها والملفت ان في واحدة من الحلقات يغوص سيمبسون الأب برفقة شخص آخر في أعماق الأرض ويقطعان طبقات متعدّدة من الحمم المنصهرة ومغاور عظيمة حيث يعيش شعب  من القبائل البدائية ليصلا إلى جهاز كومبيوتر عملاق كتب عليه : “صانع الأحوال الجويّة”، أنفهم من مقاصد من صنع هذا الكرتون  ان جوف الأرض هو فعلا  المسؤول عن التحكم بطقس سطحها وحركته التكتونية ؟ وايضا في مشهد آخر نشاهد حاصدات الريح على سطح الأرض تتحكم بالغيوم وطريقة حصرها وتجميعها ؛ وأمور أخرى تتحكم بالحياة على كوكب الأرض !

بالإضافة إلى عائلة سيمبسون وافلامها التي يقف الجميع بعجز شديد لا يدرون كيف يصنّفونها ويتعاملون معها أو حتى  يفهمونها على حقيقتها؛ بزغ في فضاء الشهرة النبوئيّة نجم العالم الهولندي ” فرانك هوغر بيست” الذي هو  أقرب منه في قيافته إلى كاهن شيطاني منه إلى  عالم مرموق وعالم فعلي ، حين  قال في مقابلة صحفيّة متلفزة ؛جملته الشهيرة :

لا تنتظروا منّي أن أقدّم نبوءات  خاصّة ببلد معيّن ، أو مدينة كما قلت لكم من قبل فأنا لست بنبيّ …

وأنا أقول لفرانك هوغر هذا : أنت ماذا تكون إذن..؟ أنت لا ريب في ذلك لاعب ماهر بأعصاب ملايين الناس تسبب لهم الخوف والقلق والانهيار والألم والعصاب والهستيريا ولا شكّ في انك تتكلم بالنيابة عن هيئة ما ، أو قوة عظمى لديها مآرب واجندات خفيّة معيّنة ومشاريع مشبوهة،  وإلا لكنت صمتت إذا كنت تحترم علمك ومحدوديّة علمك وضيق معرفتك !! …

منذ أن وعينا على هذه الحياة نسمع ان الكوارث آتية ، وأن الحضارة التي نعرفها زائلة ولا ريب في يوم ما ونسمع أقوال من مثل: اذا  ألّفت لا تؤلّفّان وما شابه ذلك !!

ولكن ها هي أرضنا العتيقة التي عمرها مليارات السنين قد قطعت الألف الثاني وما على قلبها شرّ البتّة ، الارض وما عليها تعيش وما احلاها، تعيش بالحلو والمرّ ، بالافراح والأتراح بالكوارث والزلازل والحروب والجريمة والعبادة و الإبادة ، والفيضانات والجفاف والكلّ يسأل متى تزول الأرض وما عليها  وكأنّ الناس قد سئموا فعلا عيشهم عليها ويعملون على تسريع عملية الفناء وذلك بنشر الحروب والمجاعات والقتل والتدمير البيئي ، وخاصة قتل الأخلاق والرحمة والشفقة والإيمان وإباحة الشذوذ والمثليّة والامتناع عن الإنجاب والتربية والتضحية ونبذ العلوم والإلحاد حتى لا يعود هناك سقوف أخلاقية ودينية تردع الإنسان وتمنعه من أن يصبح ضيغما ضاريا متوحشا يبيد أخيه الإنسان وينقرض الجنس البشري من على وجه المسكونة ! !

أمّا عن نهاية العالم ويوم الحساب والارمجدون وكل تلك الأدبيات النهيوية فلا طائل لأحد صدقا لكي يعي ويدرك توقيتها الفعلي،  حتى يعرف أو يقرر كيف ومتى وماذا عليه أن يفعل في  التوقيت الزمني حين تبدأ نهاية العالم والكل يذكر الفيلم الشهير بعنوان: “2012”  الذي يحدد هذه السنة سنة 2012 نهاية العالم استنادا إلى روزنامة فلكيّة تعود إلى  شعوب أميركا الوسطى الأصليين الذين عاشوا في هذه القارة قبل اكتشاف كولومبس لها.

 نقرأ في انجيل مرقص الفصل 13 الآية 32 ما يلي :

وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد لا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الّا الآب.

أي أن السيد المسيح كان جازما في خصوص هذه المسألة ، ولا نستطيع أن نعرف متى ينتهي العالم.

كذلك نقرأ في القرآن الكريم كتاب الله تعالى ؛ سورة طه : 105-107

” ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا .فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا “.

وهذا يرد في حال أراد الله الديان ان ينهي الوجود ويسوي الجبال بالأرض !

لا أحد يعرف شيئا عن مآل الأرض والكون سوى باريها وكل ما عدا ذلك ضرب في عماء و لا  نستطيع أن نتعالى على قدرات هذا الخالق الاعظم ونتقوّل معارفا ورؤى نحن في أعماق إدراكنا،  نعرف تماما  محدوديّتها ؛لأننا نحن بحدّ ذاتنا لا نعرف سوى قليل القليل، وما علينا سوى أن نصغي لما قاله ميخائيل نعيمة حتى ندرك ونعتبر حقيقة هذا الوجود الذي يعلّمنا اشياء و أشياء من أبسط الأمور وأصغر الكائنات من حولنا ، يقول نعيمة متأملا :

“كلّ ما في الأرض وفوقها وتحتها، معلمّ عجيب وكتاب عجيب ، وما عليك إلا أن تحسن الانتباه والقراءة، وإلا أن تستوعب ولو بعض ما تسمع وما تقرأ.

ربّ نملة تجرجر شعيرة تلقي عليك محاضرات لا تسمع مثلها من أشهر أستاذ في أشهر جامعة .ربّ شوكة تفرش طريقك برؤى لم تخطر في خيال أشعر الشعراء.

ربّ نسمة عابرة تتلو عليك من الآيات البيّنات ما لست تقرأ مثله في أروع كتاب خطّته يد إنسان. “

وعليه تبقى يد الخالق سبحانه وتعالى اليد الوحيدة التي ترسم معالم هذا الكون ومجرياته ويبقى علينا نحن ان نتأمل ونتعظ ونرعوي ! ! ….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *