“بضاعة ناعمة”

Views: 643

 ميشلين حبيب

“بضاعة ناعمة” مسرحيّة من تأليف رالف معتوق وتمثيله بالإضافة إلى فرح بيطار وسمارة نهرا وهي من إخراج مازن سعد الدين. عُرضت الخميس 20 نيسان مجدّدا على مسرح بيريت Beryte في عرض أخير.

هذه البضاعة ليست ناعمة أبدًا، إذ أنها بضاعة مسرحيّة قويّة ومؤلمة وحقيقيّة ومن صميم الحياة والواقع المجتمعي في إطار نصّ مهمّ نجح رالف معتوق في تجسيده على المسرح.

البضاعة الناعمة هي ثلاث شخصيات منسيّة في مخزن نكتشف معها في النهاية أنه مخزن لبضاعة مزاد علنيّ تحمل القطع الموجودة فيه بطاقة تحتوي على معلومات عن القطعة بالإضافة إلى ثمنها.

 

وواقع أن هذه الشخصيّات تحمل أيضا بطاقة مثل تلك يعكس قمّة الألم الإنساني الذي أراد رالف معتوق إيصاله إلى الجمهور من خلال نصّه.

لون الأزياء التي ترتديها الشخصيّات الثلاث على المسرح هو لون نيود nude أي لون مجرّد يكاد لا يُرى وهذا ليعكس حقيقة هذه الشخصيات المنسيّة من المجتمع ومن نفسها وكأن لا وجود لها.

الديكور عبارة عن ثلاث قواعد تتمركز كلّ شخصية في داخلها وكأنها إطار يأسر الصورة التي في داخله.

تخرج هذه الشخصيات من مراكزها أو حُجيراتها عندما  تتواصل مع بعضها وتُخبر كلّ واحدة منها قصتها مع الحياة وفي الحياة.

تتناول المسرحية مسألة العُقر (المرأة العاقر) والمثليّة والاغتصاب والدعارة والخدمة في المنازل.

 

في تناوله مسألة العقر يقول معتوق أن ما اختلف هنا هو أن المجتمع يتكلّم عن العاقر وليست هي مَن تتكلّم عن نفسها كما جرت العادة. وقد جسّدت الدور فرح بيطار.

ثمّ أنّ مسألة المثليّة والاغتصاب والدعارة عانى منها شاب وليس فتاة، فقد تعرّض غدي (رالف معتوق) في صِغَره إلى الاغتصاب من قِبَل جارته وبعدها امتهن مهنتها وصار “جسمًا للبيع” كما يرد على لسان الشخصيّة خلال المسرحيّة. وهنا يقول رالف معتوق إنه تناول متلازمة ستوكهولهم Stockholm Syndrome إذ تشبّهت الضحية بالمُعتدي عليها أو بجلّادها بدل الابتعاد عنه.

أما نجاح (سمارة نهرا) فقد خسرت أمها وتزوّج والدها أخرى؛ فتركت البيت وأختها “المُعاقة” وأفنت حياتها في خدمة المنازل، فلم تعرف الحبّ بأيٍّ من أشكاله وانتهت في مخزن مزاد علني.

إن التطرّق لهذه المواضيع الثلاثة وبخاصة موضوع تعرّض الفتى إلى الاغتصاب من سيّدة تكبره بالسن أمر مهمّ ويجب التكلّم عنه لأنه واقع في كثير من المجتمعات.

 

التطرّق إلى موضوع تنميط الأشخاص أو stereotyping في المجتمعات هو أمر ضروري يجب أن يتمّ تناوله دائمًا لأنه يُفقدُ الإنسان قيمته البشريّة والإنسانيّة فيصبح حامل لقب نمطيّ يرزح تحته بينما المجتمع مرتاح إلى أحكامه المؤذية المغلوطة والتي تشكّل له حماية لأفكاره البالية.

إنّ التفاهم والشراكة والصداقة بين الممثّلين تخلق جوّا مريحًا على الخشبة يسمح للمشاهد أن يتابع الأحداث والحوارات من غير تشتّت وهذا الارتياح كان واضحًا بين الممّثلين الثلاثة.

ولم تخلُ المسرحية من الفكاهة التي أضحكت الجمهور والتي أتت على لسان شخصيّة سمارة نهرا التي برعت بأدائها من دون تصنّع أو مبالغة .

رقصة التانغو على أنغام “يا زهرة في خيالي” لفريد الأطرش بين غدي وسلمى قُرَيب نهاية المسرحيّة لها دلالة ورمزية أعجبني أن رالف أوصلها من خلال رقصة تانغو وهذا ساعد في التنويع وتغيير إيقاع ونمط المسرحية. وهي ترمز إلى آخر رمق حياة ووجود لهاتين الشخصيتين قبل أن تنتهي المسرحيّة بقدوم المُشترين الذين يبحثون عن بضاعة جديدة غير مألوفة وقد وعدهم صاحب المزاد ببضاعة ناعمة.

 

ويقول رالف معتوق إن “عدم تقبّل الإنسان لنفسه هو أقسى وأخطر من عدم تقبّل المجتمع له فيتجرّد من إنسانيته ويصبح مثل الأشياء التي تُباع” وهذا ما أراد إيصاله من خلال “بضاعة ناعمة”. فهو يقول “فليرفضكم المجتمع ولكن لا ترفضوا أنتم أنفسكم”.

ويُزيد رالف أن استحضار الشخصيّات (زوجة أب نجاح، زوج سلمى وجارة غدي) التي هي سبب مصيبة كلّ منهم في نهاية المسرحيّة وإدلائها بوجهة نظرها يُفهمنا أن  شخصيّات المسرحيّة الثلاث التي كانت تتكلم عن الظلم اللّاحق بها  ليست مظلومة بتلك الطريقة التي تصفها أو تظنّها. إذ يقول رالف “إن الضحيّة تخبر الأمور من وجهة نظرها بينما هناك دائمًا وجهة نظر أخرى يجب أن نسمعها”. وهذا أمر يُحتَسبُ لرالف.

في النهاية أودّ أن أهنّئ رالف معتوق على هذا النص الرائع وعلى إيمانه بالمسرح ومحاولة إبقائه حيًّا.

إن الحركة المسرحيّة التي نشهدها حاليّا تُطمئننا أن المسرح بخير وهذا هو المُهمّ. فمجتمع من دون مسرح هو زهرة من دون ألوان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *