“تموزيون لكن شعراء” ليوسف عيد… “طوفان أقسى” ضد التقليد والجمود والموت

Views: 164

كلمة الدكتور سهيل مطر في حفل توقيع الدكتور يوسف عيد كتابه الجديد “تموزيون لكن شعراء” من تنظيم “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” (ناشر الكتاب)، برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا بالمحامي شوقي ساسين،  في قاعة المؤتمرات في الرابطة الثقافية –طرابلس.

 

أيها الأصدقاء

ما دُعينا في هذا الزمن الصعب، وما لبّينا دعوة منتدى شاعِر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي، لنبكيَ تموز ونمشي في جنازته، صحيح وجعنا تموزي قاهر وجارح، ولكن لنترك الدموع الصامتة أن تكتب:

  • الدمعة الأولى كتبت:

ذاك الطفل الغزّاوي الذي سُئل: ماذا ستفعل عندما تصبحُ كبيراً؟

فأجاب: نحن أطفال غزّة، لا نكبَر، يذبحوننا قبل الفجر. هذا هو تمّوزنا الجديد.

  • الدمعة الثانية لتمّوزي آخر وارد في الكتاب يقول:

ينابيعي ملوّثة وأرضي كلّها بوم.

أغنّي؟ كيف يا قلقي، ووجه الحقّ مهزوم.

  • أمّا الدمعة الثالثة فهي لتمّوزي، لم يُذكر في الكتاب، إنه أنسي الحاج حين يقول:

لم نعد ننتظر شيئاً من أحد

إنّنا ننتظر من الله

وبانتظار معجزته، هناك طلب واحد:

دعونا نعيش بكلّ تفاهة.

لم نعُد نطلب أكثر. بكل تفاهة.

أيها الأصدقاء

عُذرًا على هذه المقدّمة

احتلّ الخوف الأرض، ولّد آلهة، كبيرهم تمّوز. لاح لسبعة من شُعرائنا، ولوّح ليوسف عيد، فإذا بهم جميعهم في غليان وغضب… الحروف، الكلمات والقصائد تتسابق إلى الثورة، يحطّمون، يكسّرون، يولّدون: إنه الطوفان الأقسى ضد التقليد والجمود والموت. هذا هو الكتاب أما الكاتب… يوسف عيد، فهو الأساس،  وهو الجوهر، فتعالوا أيها الأصدقاء نتعرّف إليه، من جديد، باعتقال ملامحه الحميمة، المختلفة، والعميقة.

1″-   هو باحث صبور، مثابر، جلود، إلى حدّ، أنّني، وبالفعل، أغار منه. ومن أين تأتي يا رجل، بكلّ هذا الوقت والصبر والجديّة؟ كم أنت عميق في زمن السطوح العائمة.

2″-   هو لاهوتي: تعمّق في دراسة الإله: تمّوز، أدونيس، السيّد، يهوه، الابن الحقّ، الجمعة الحزينة والأحد العظيم. وأهمّ ما في لاهوت يوسف عيد هو: قيل لكم… أمّا أنا فأقول.

       يا ليت بعض رجال الدين، يُغادرون، ما قيل لهم، ويكتفون بما قاله المسيح، هذا ليس سياسة، ولا من واقع المرحلة، ولكنّه جوهر من يؤمن بالقيامة. يوسف اخترق الأسطورة والرمز ليصل إلى الحقيقة. ولا أظن أن اختيار السبعة، لا كشُعراء، بل كرقم، كان صدفة، فالرقم سبعة، هو انعتاق الروح من الآلام والضعف لتتحد بالله، وهذا ما ورد في كلّ  الميثولوجيات والأديان والمذاهب.

3″-   هو لغوي: يدقّق، ينقّح، يفتّش، ينحت، يزين الحرف والكلمة. ولكن… هذه الـ “لكن” كما “حتى” عند الأقدمين، حتحتت عقلي في فهم عنوان الكتاب: تمّوزيون لكن شعراء. لماذا هذه الكلمة؟ هل هي للاستدراك، بمعنى أنّهم، رغم تمّوزيتهم، شعراء، أم أنها للتوكيد: تمّوزيون وشعراء، وأمّا هي تتجاوز ذلك للتعبير عن مواجهة وصراع بين تمّوز والشِّعر. حتّى في هذه كان يوسف عيد في عنوان كتابه: غير شكل مختلف في زمن التخلّف بوضوح… وغموض بنّاء.

4″-   هو فيلسوف، وإن أنكر أو تواضع، فقد عبّر في دراسته عن عمق فلسفي وجودي. هل السبعة هم الفلاسفة أم هو فلسفهم؟ إنّهم بالفعل يتكاملون مع يوسف، في  نظرتهم إلى الله، إلى الحياة، إلى الإنسان، إلى الوجود. ولا أنسى أنهم جميعهم أو معظمهم  تخرجوا من عقيدة رجل هو أنطون سعاده، أي تموز كان، وكم مرة أعدمناه ولا نزال.

5″-   هو شاعر: اسمحوا لي باعتراف نرجسيّ، إن شئتم. أنا، أحياناً، أقف عاجزاً عن فهم بعض أشعار هؤلاء السبعة. قلت  مرّة لأدونيس في إحدى ندواته وهو أستاذي ومعلّمي: يا أخي الكبير، لم أفهم، أجابني: ومن قال لك إن الشِّعر ولد ليُفهم. هذا موضوع كبير وصعب نتركه للآتي من الأيام.

       ولكن، أنا أؤكّد: لا يمكنك أن تكشف لعبة الشِّعر، إلّا إن كنت أنت شاعراً. وأعترف، بصدق، أنّ هذا الرجل يوسف كثيف النبض الشِّعري إلى حدّ أنه يستطيع أن يرسم وشماً على رئة الصباح. ويا طيب الوشم والواشم.

6″-   يبقى لي أن أتّهم هذا الزميل الصديق، وليعذرني، بأنّه، احتكر النساء واحتفظ بهنّ لنفسه. أين هي المرأة، يا يوسف؟ أليس من امرأة تمّوزية؟ لماذا ابتعدت عنهنّ؟ مَن أخافك؟ رفيقة العمر؟ لا، فهي الراعية، ولها من الأحفاد الخمسة، حياة جديدة وأحلام كبيرة.

يا صديقي، المرأة هي الشِّعر، أليس كذلك يا ميراي، هي التي تمنحه الاشتعال والتوهّج، هي التي تُغسله بماء الحبّ، وتنفض عنه أبجديّة غُبار الصحراء.

لا أظنني أخطأت بذكر المرأة أو سكِرت، فإن فعلت: من منكم بلا خظيئة فليرجمني بحجر.

وإنني أظنّ أن الجزء الثاني من الكتاب، سيكون عنوانه: تمّوزيات ولكن… جميلات. المرأة أجمل من الشِّعر، ولهذا، هي جامدة، وهو يستنير بها ويتأوّه لها وهي بتفاحة واحدة، جعلت الأرض تشتعل ببساتين التفّاح.

أيها الأصدقاء

أعود إلى الواقع، إلى الأرض، إلى جنون القتل، رائحة الدم مقدّسة، الآلهة، يا يوسف، تحبّ لون  الدم وطعمه، تستعذب الذبح وتُكرّم بالذبائح. نجّنا يا ربّ، للتاريخ أنياب، أمّا الأحلام فحلوة، تعالوا نحلم، وشكراً لكم.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *