إدوار الزغبي في رحاب الكلمة

Views: 154

د. جان توما

كنا صبيّة لما دخل إدوار الزغبي علينا، إلى الصفَ بين عامي ١٩٦٩ و١٩٧٠ في ثانوية الصبيان في الميناء أستاذًا لمادة اللغة العربيّة.

هذا الوافد من خارج المدينة طرح أمامنا لغة غنيّة بقاموسها، لنكتشف أنّه معدّ برامج في إذاعة لبنان التي كنا نتجمّع حول المذياع صباحًا في البيت، لنستمعَ إلى قراءة جزء من قصة متسلسلة بصوت ناهد فضل الله الدجاني.

كان واضحًا اهتمامه بتجميع الطرائف والحكايات للبثّ المباشر، وكنا نبحث معه في بطون الكتب، ونلملم من ألسنة العجائز ما تيسّر من روايات، نكتبها بخطّ اليد ونسلّمها له، عسى أن تجد سبيلها إلى الإذاعة.

إدوار الزغبي نقلنا من محدوديّة “الحارة” إلى جهويّات لبنان كلّها، وحبّبنا بجمال الاستماع الى المذياع ، نلتقط اللغة الإعلاميّة الفصحى، كما في بعض البرامج التي كانت تُذاع باللغة المحكيّة الراقية مع المسلسل الإذاعيّ اليوميّ ” بيفرجها الله” مع “أبو بسام ( جورج إبراهيم الخوري) وأم بسام ( ناديا حمدي).

انتقل إدوار الزغبي من الإذاعة إلى جريدة “النهار”، حيث كنا نتابع مقالاته وتحقيقاته، وكان يشدّنا إليه هذا الأسلوب التقريريّ المزدان ببلاغة إبلاغيّة، فأخذنا عنه ومنه كيف يأتي المضمون كثيفًا في عبارة مختصرة، وكيف تنقل القارىء من المعنى إلى معنى المعنى، والإبحار إلى ما وراء المطبوع إلى ما يغني عن جوع في البحث عن حقيقة الخبر ، أو القضيّة المطروحة.

كم كنت أفرح حين ألتقيه في ميدان إهدن مشّاء في ساحتها فرحًا، فنتبادل الحديث هنيهة، فيما تكرّ أيام العمر الجميل حول بركة الماء في الميدان، تغسل وجهها، يطير رذاذ الماء يحمل أسماء من تتذكّرهم، ولا تنسى أسماء من مضى مع السنونو، كما فعل اليوم في ترحاله  إدوار الزغبي إلى أبجديّة عرف تهجئتها، فكان حبرها مركبته الناريّة إلى حيث لا وجع ولا حزن، بل كلمة لا تفنى.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *