في “يوم الموسيقى العربية” (طرابلس)/هيّاف ياسين ذلك النجم الساطع في فضاء الموسيقى المشرقيّة العربيّة!

Views: 5110

د. مصطفى الحلوة

منذ حوالى عشرين سنة، وفي خان الخياطين، وهو من أقدم المعالم الأثرية المملوكيّة في طرابلس، تعرّفتُ على الفنان المبدع اللبناني العربي العالمي (أجل! العالمي) د.هيّاف ياسين، حين أحيا، في الهواء الطلق، أمسية موسيقيّة غنائيّة طربيّة مشرقيّة، مع سنطوره، تلك الآلة الموسيقيّة العجيبة، التي لم يكن لنا عهدٌ بها من قبل..يومها بقدر ما أطربَ فقد أدهش، إذْ أخذنا خارج عالمنا الترابي إلى عالم أثيري، عالم الحقّ والخير والجمال!

تمضي السنون، وتتوثّق معرفتي بذلك الهيّاف، خلقًا وخُلُقًا وإبداعًا، وكان أن آنستُ لديه تطوّرًا نوعيًّا وتوسعةً في مجال الموسيقى العربية، عزّزتهما موهبة ودراسة أكاديميّة، تُوّجتا بحصوله على شهادة الدكتوراه في عِلم الموسيقى.

 

عشيّة أمس (الأربعاء 27/3/2024)، دعاني الهيّاف إلى أمسية، إحتفاءً بيوم الموسيقى العربية، الذي تُحييه طرابلس منذ خمس عشرة سنة، وفي إطار احتفالية “طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024″، وذلك في “الرابطة الثقافية”، طرابلس.

كان د.هيّاف المبدع نجمَ الحدث وشامتَه، مع فرقته المبدعة، “وإنّ المبدعين على أشكالهم يقعون!”

وإذْ غصّت قاعة الرابطة الثقافية ببضع مئات من الحضور، فقد كانت سهرة تفاعليّة، و”من العمر”، كما يُقال!..راح الجمهور يموج حينَ الموسيقى، صوت الطبيعة العذراء، تلامس  القلوب وتننزّلُ عليها بَرْدًا وسلامًا ! ولم تكن ساعةٌ وربع الساعة، التي قضيناها، مجرد وقت مقتطع من الزمن، بل كانت صلاة، في أجواء عرفانيّة! فقد أخذنا، بل  انتشلنا الهيّاف من عالم ذواتنا الرتيب إلى فضاءات، خارج محدوديّة الأزمنة وتحيُّز الأمكنة! لقد جلا نفوسَنا من صدأ أيامنا السود، وكان نقاء!

مع السنطور، مايسترو الآلات الموسيقيّة(عودًا وكمنجة ودفًّا ودربكّة)، راحت الحناجر الماسيّة تصدح بابتهالات دينيّة رمضانيّة، وبموشّحات (موشّح: يا فاتن الغزلان إسمح وكلّمني)، وأغنية (القراصيّة منين منين يللي سقوها بدمع العين)، وأغانٍ أخرى ، كان ختامها مع “يا بيت صامد في الجنوب” للفنان العملاق الراحل وديع الصافي. وقد جاءت هذه الخاتمة في موقعها، وذلك إثر العمليّة الإجرامية الصهيونيّة، التي استهدفت بلدة الهبّارية في الجنوب اللبناني، وارتقى جرّاءها سبعة شهداء من “الجمعية الطبية الإسلامية”.

 

د.هيّاف ياسين ليس فنّانًا، من جماعة “الفنّ للفن”! فهو فنّان ذو إصالة، فنّان مناضل، ملتزمٌ قضايا شعبه ووطنه وأمّته. وما موقعُه في “النجدة الشعبية اللبنانية”، كمدير لبيت الموسيقى فيها، إلّا شهادة دامغة على منحاه النضالي، وانتصاره لقضايا الانسان!

د.هيّاف ياسين، بقدر ما نثمّن فنّك وإبداعك عاليًا، فإنّنا نُحبّك، نشدّ على يديك المبدعتين “السنطورتين”، في زمن أدعياء الفن ومُعهّريه، وحيث تهبّ علينا تفاهاتهم، من كلّ فجّ عميق!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *