الإنسان المعاصر من التشيّؤ إلى العدم الكليّ

Views: 253

Dr Ran El Hacgem
د. راني هاشم-ألمانيا
اذا ما قمنا بإعادة رسم  الطريق الذي سلكه الانسان منذ قرن ونيف٬ نستشف الازمات التي تهمّش الشخصية البشرية و تنزلها عن العرش الذي دأب المفكّرون الشخصانيون رسم  معالمها في منتصف القرن المنصرم.
لقد زعم المفكّر الفرنسي ميشال فوكو أنّ “الانسان اختراع حديث العهد٬ صورة لا يتجاوز عمرها مئتي عام، إنّه انعطاف في معرفتنا٬وسيختفي عندم تتخذ المعرفة شكلاً جديداً” فهل دخل الإنسان المتشيّء  نفق العدميّة المطلقة ؟
على الصعيد الاقتصادي: كان لتحطيم الأنظمة الاشتراكيّة الاثر الاكبر في القضاء على الايديولوجيات وبخاصّة الماركسية. كان للراسمالية الأثر  الاكبر في إرساء نظام اقصادي ليبرالي́  أكتر شرًّا من سلفه الإشتراكي: لقد اعتبر المفكّر لوسيان غولدمان انّ “النظام الماركسي في أزمة لأنه عجز عن تجديد نفسه”  والمقولة عينها تنطبق على النظام اللبيرالي الحر.
الأخطر من ذلك انّ الرأسمالية الجديدة عرفت –عبر استرايجيّة- تسويقيّة  كيف تجعل من المستهلك رقمًا بل شيء يتلقف الإنتاج فقط لا غير، جاعلةً منه شيئًا أو كميّة ميتة، وامست الأقلية تنتج للاكثرية لأنّ هذه الأقليّة تمتلك رأس المال  بكليّته.
على الصعيد الديني: بات الانسان المعاصر ينوء تحت حمل عمره ألفي عام او اكثر، أساسه ترسّبات دينية  وباتت العلاقة مع خالقه المفترض شبه متزعزعة  وكأنّه ينتظر غودو كما في مسرحية” انتظار غودو”  لصموئيل بكيت
لقد أعلن نيتشه موت الله ودخول الإنسان في العدم خلال مئتي سنة ونحن على قاب قوسين من ذلك لأن هذا الأخير ملّ عرس الدَم والنزاعات الدينية. فالإلحاد الآخذ في التجذّر  في صميم اللاوعي البشري وكأنه توقُ الى الحرية المطلقة الى التحرر من لعبة شطرنج دينيّة، لاعبوها غربيّون وأمراء مال، وضحاياها ناس بسطاء مؤمنون بعدالة خارج ميتا فزيقية.
على الصعيد الاجتماعي بحسب “مارغريت ميد” عالمة الاجتماع الأمريكيّة:” أنّ صفة الانسان الكائن الاجتماعي باتت على المحكّ”. لقد أجهزت التقنيات الرقميّة على ما تبقّى من  هذه الصفة يضاف الى ذلك  تفكّك العائلة بسب انعدام التواصل بين افرادها.   والإشكالية المطروحة: هل سنشهد نسالة لبيرالية قائمة على انتقاء جيني شعاره البقاء للأذكى كما زعم “يورغن هبرماس”.
على الصعيد الإعلامي صوت التلفاز، كصوت الناعي، كخادم حصادة الأرواح وبائع الموت. يسوَق الضحايا بلا شفقة، يبتسم كغضنفر عربي حزين، مكبوت. قاتل الثقافة الأرعن هذا الغازي العثماني الجديد يفتح العقول، لكأنّ السلطان العثماني سليمان فضّ بكارة العقول البور يدخل الى “فيينا” يعيث فيها جمودًا فكريًّا و يتلفها ببطء.
الصورة قاتمة في طرفها الأول، رأسمالي يهلّل ويجني كل ما دسّ سمّ السخافة  في نفوس متتبّعي محطته، وفي طرفها الآخر تحلية طبق غرائز لا إنسانيّة،  كأنّ الإنسان بات شيئًا جامدًا يتلقّى كلّ شىْء حتى العروض الإباحيّة .  وأمست الصور في صلب تكوينه السيكولوجي ترمي به خارج الإطار المكاني الزماني لأنّ مرسلها يريد إظهار وجه واحد من أوجه الحقيقة والهدف واحد هو إعدام ما تبقّى من الروح الإنسانية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. لقد احببت المقال، ذاك الذي يضع الانسان عند مقصلة التاريخ. الا اني لفضلت صفة المشاهد دون الدخول في الذاتية في بعض المحاور. فكما ذكرت عزيزي الكاتب ان صورة الصيرورة لقاتمة ان لم تكن سوداوية، و ذلك لان روح الانسانية في بحث دائم عن زوج يكملها و يعيدها الى كينونة مستقرة، الا ان في ذلك حد لكماليتها التي ربما تدور في البحث الدائم و الحب الدائم اي الحياة الدائمة او اللاعدمية.