لحظاتٌ ما بينَ الأمسِ واليوم…

Views: 777

  لميا أ. و. الدويهي

بصدفةٍ، بطرفةِ عَينٍ، بلحظةٍ لا تكونُ في الحسبان، تعودُ إلينا أحداث مرَّت عليها «دهورٌ» في حياتِنا، فنُجسِّدُها في ظروفٍ مُشابهة، ولو مع أشخاصٍ مُختلفين… وكأنَّنا نَستَكملُ قصَّةً ما أو حالةً ما من حياتِنا الماضَية في لحظاتِنا الآنية، كانت قد توقَّفت في حينِه، ولم تُستأنَفْ لأسبابٍ كانت عاصية على إرادتِنا ولم يكنِ القرارُ لنا فيها أو صادرًا عنَّا، لنتحمَّلَ مسؤوليَّتهُ كاملًا فنمضي قُدُمًا في سبيلِنا، من بعدِ هذا الخيارِ أو القرارِ مهما كان… وكأنَّ أعماقَنا كانت تحتفظُ بتلكَ اللحظات في ذاكرتِنا إلى حينٍ، لتستَيقِظَ فيه مع حدثٍ، أو لقاء، يُرجعنا إلى ماضٍ يُحرِّك فينا مشاعِرَ كانت مَطويَّة وفجأةً عادت إلى الواجهة، لنتفاعلَ معها وكأنَّها الآن تبدأ، الآن نحياها، الآن نكتشفُها، الآن نَسعى إليها… ولا نُدركُ أنَّنا قد عُدنا إليها إلَّا عندما تتأجَّجُ في النفس مشاعر مُشابهة، تُقلقُنا، تجعلُنا مُضطربين، خائفين، مُجدَّدًا، من الخسارة التي مُنينا بها، سابقًا…

أحيانًا لا تستطيعُ الجزم فيها… هل ذاتنا مُنفصِلة عن ذاتِها في مُجريات الأمور؟ هل نُعاودُ الكرَّة مع أحدِهم أعادَ إلينا لحظاتٍ مُماثلة؟ أم أنَّنا حقًا نقفُ أمام موقفٍ مُشابه ولكنَّهُ جديدٌ في عُمقِهِ، مُختلفُ الأبعاد، نُريدُهُ لأنَّهُ حَقيقيٌّ وليس لأنَّهُ يَرُدُّنا إلى واقعٍ كان، آلمنا وفشلنا في استكمالِه؟… إلهي كم هي مُعقَّدة نفسُ الإنسان الذي خلَقت!… وكم يحتاجُ إلى الغَوصِ في أعماقِهٍ لاستئصال هذا الكمّ الهائل من الآلام المُتراكمة في صميمِ عُمقِهِ، في روحِهِ وقلبِهِ!… وكم هو مؤلمٌ أن يتحوَّلَ الإنسان إلى آلةٍ تتحرَّك لأنَّها موجودة، تفتعلُ حياةً، ترسُمُ خيوطَها وتنسُجُها على «سجيَّةٍ» فيه غريبة عنه وربمَّا مُتناقضة مع هويَّتِهِ الحقيقيَّة وطبيعِتهِ التي خُلِقَ فيها ليكونَ عليها، فقط ليحمي نفسه من الألم الذي اختبرهُ ويخشى العودة إليهِ في حاضِره…
عدَّة عوامل تتفاعلُ وتتضاربُ مع بعضها البعض وتعصِفُ بعُمقِ الإنسان! وكم يحتاجُ إلى قوَّةٍ سماويَّة ليتخطَّى ذاتَهُ ويَعبُرُ إلى جوهرِ ذاتِهِ فيكونَ سيِّدًا في مواقِفه، غيرَ مُنجرفٍ إلى ماضٍ يَستجديهِ في حياتِهِ لأنَّهُ خسِرهُ يومًا من دون إرادةٍ منه…

ربمَّا لأنَّه أيضًا من طبيعة الإنسان النِّضال للاستمرارِ في الحياة، تجدُهُ يُكافِحُ لتحقيقِ ذاتهِ ورسمِ هويَّةً له تمنحهُ مكانةً ومرجعًا يُشهدُ لهُ بهما، يتحصَّنُ داخلَهما… ولكن، لدى حدوثِ أمرٍ ما، يُعيدُ إليهِ ذاكرةً ما، يكتشفُ حينها، هل تخطَّى حقًّا «محنته» تلك أم لا؟ هل هو استمرَّ قُدُمًا لأنَّهُ تخطَّاها، أم واصلَ حياتهُ وهو يَغضُّ النَّظرَ عنها، مُعتقدًا أنَّها أصبحت وراءَه؟… الجرحُ الدَّاخلي يحتاجُ إلى العلاج كما الجرح في الجسدِ، إنَّهُ يحتاجُ للتعقيم والتَّطهير والتريُّث حتَّى تندمِلُ الجراح وتُختمُ في حينِهِ، حتَّى إذا ما عاودتِ الظهور في ظروفٍ مُشابهة، لا يرزحُ الإنسانُ تحتَ وطأتِها، بل يكتشفُ مفاعيلها في داخله ويُصبحُ قادرًا على ضبطِها في نفسِهِ لأنَّهُ عرف كيفَ يتخطَّاها في ما مضى، فلن تَعصى عليهِ إن لاحت في الأفقِ مُجدَّدًا…

 ٢١ /٢/ ٢٠٢٠      

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *