وَشمٌ صَباحِيٌّ (79)

Views: 484

د. يوسف عيد

 

في زُرُوعِ حديقتي رائحةُ شَفَتيها.

سَمِعتُ الفَجرَ يقولُ لها:

سَأمتَصُّ الليلَ  وأعصِرُه على صدركِ،

وأتركُ منه شَريطةً على زَندي.

غَدًا متى شَعَرتِ بالصَّقيعِ،

سَأعرّي الزّهورَ مِن فَساتينِها القُرمُزيَّةِ،

وأطعِمُكِ خيطانَها فَتَدفَئين.

نَظرَتْ إليّ بمقلَتينِ عَميقَتَين،

فَاحتَرقَتْ عَيناي،

وَشَممتُ رائحةَ النورِ والبخور.

ثم راحَت تحوكُ سلالَ القصب،

وأواني الحبق،

تملأ السماءَ بالبهاء.

تلك حكايةُ كلّ صباح .

ما أجملهُما عَينيكِ سِراجَين معلّقَين في سقف عمري، 

وشبّاكين نُجِّرا بِعطرِ الخشب،

وضِحكَتين من الفضّةِ تَرويان قِصَّةَ قَميصِ

خَيَّطَته أصابعُكِ بأوراق الوردِ،

وبَياضِ الياسمينِ . 

أحترفُ التَّنسُّكَ في عَينَيكِ.

حياتي كنيسةٌ

  وعيناك فيها شَمعتان وكأنَّهما مُلَطَّخَتانِ بالنبيذ المُعَتَّق .

وأنا في سكرتي،

ما صحوت منها إلاّ على الفَم الأخضرِ

المَسكوبِ أُغنيةً في فنجانِ القهوةِ الصَّباحيّ .

بعدَ أنْ فَرَقَت الشمسُ شَعرَها الذَّهَبيَّ على جَبينها،

لا تخافي يا عُصفورتي،

فحديقتي الآكلةُ من جَسَدِ الصَّيفِ،

ستحافِظُ على دَمها في أفواهِ الزّهور.

وسَتمنَحُنا الحياةَ المَغموسةَ برائحةِ القُفرانِ،

المملوءةِ بِطعمِ الاخضرارِ،

والترابِ الذي ضَمَّ أجسادَ النَّحْلِ والفراشات،

فلا تخافي أن تنكسري في قلب حبّة المطر

ليرتشفك ترابي الأبدي،

وتعود الولادة .

(صبَاح الأمَل)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *