الثورة الحقيقية هي الثورة العلمية

Views: 717

حسن عجمي

الثورة العلمية أساس التحوّل من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لأنَّ العِلم يخلو من اليقينيات بينما الديكتاتورية قائمة على اليقينيات المُقدَّسة التي لا تقبل الشك والمراجعة. هكذا الثورة الحقيقية كامنة في الثورة العلمية. من هنا الثورة العلمية هي السبيل الوحيد الذي يكفل نجاح ثوراتنا.

يرينا تاريخ العلوم أنَّ النظريات العلمية تُستبدَل بشكلٍ دائم بنظريات علمية أخرى كاستبدال نظرية النسبية لأينشتاين بنظرية نيوتن العلمية. وبذلك العِلم خالٍ من اليقينيات ما يجعل مالك العِلم والمشارك في صياغته لا يتعصب لمعتقدات ضدّ أخرى فيقبل الآخر وإن اختلف عنه فكرياً وسلوكياً. لذلك العِلم يُؤسِّس لسيادة الحرية الفكرية والسلوكية التي بها تنمو الديمقراطية وتوجد وبِقبوله للآخر يؤدي أيضاً إلى السلام الأهلي الحقيقي ما يجعل ثورة العِلم ثورة السلام بامتياز.

الثورة الحقيقية

 على ضوء هذه الاعتبارات، الثورة الحقيقية هي الثورة العلمية التي تُحتِّم نشوء الديمقراطية والتعدّدية والسلام والحريات.

أما النظام الديكتاتوري فيحكم بِنشر الجهل والتجهيل وبِثنائية المُقدَّس والمُدنَّس كتبرير حُكم الطغاة بأنه حُكم بأمر الله أو بأمر ضروريات مواجهة التهديد الخارجي أو الداخلي. لكن العِلم نقيض الجهل والتجهيل كما هو نقيض ثنائية المُقدَّس والمُدنَّس المرتبطة بالتفكير الديني غير العلمي فالعِلم خالٍ من اليقينيات بينما الدين قائم على اليقينيات وقدسيتها. بذلك العِلم نقيض الأنظمة الديكتاتورية فأصل الثورة الحقيقية ومصدر انتصارها. لذا المجتمعات التي تَسُود فيها العلوم مجتمعات ديمقراطية بينما المجتمعات الخالية من العِلم وانتاجه مجتمعات محكومة بأنظمة ديكتاتورية.

كما أنَّ المجتمعات الخالية من التفكير العلمي وبناء العلوم غير قادرة على الإنتاج في الصناعات المختلفة المعتمدة بطبيعتها على العلوم وبذلك غير قادرة على التطوّر. لذلك التطوّر يُقاس بإنتاج العِلم. لكن أية ثورة حقة هدفها تحقيق التطوّر. من هنا لا ثورة حقة وحقيقية بلا ثورة علمية تُنتِج الجديد في العلوم كما تُنتِج علوماً جديدة. بالعِلم نقبل الآخر فنتطوّر لخلو العِلم من اليقينيات فمن التعصب لمعتقدات ضدّ أخرى. وبالعِلم تسقط الأنظمة الديكتاتورية فنتطوّر بما أنَّ العِلم خالٍ من اليقينيات بينما الأنظمة الديكتاتورية معتمدة في وجودها وتشكّلها على اليقينيات التي لا تقبل المراجعة والاستبدال تماماً كحُكم الطغاة. وبالعِلم تنشأ وسائل تواصل وإنتاج جديدة فتولد فلسفات وآداب وفنون جديدة وتنمو بذلك المجتمعات وتتطوّر. فلا تطوّر بلا عِلم ولا حياة بلا تطوّر.

العِلم يُحرِّرنا

بلا ثورة العِلم نبقى سجناء يقينياتنا وتعصبنا ورفضنا للآخر لأنَّ العِلم يُحرِّرنا من يقينياتنا المُحدَّدة مُسبَقاً فيُحرِّرنا من تعصبنا ليقينياتنا ورفضنا للآخرين ما يضمن الحرية للجميع والمساواة فيما بينهم. فلا حرية ولا مساواة بلا ثورة علمية ومشاركة في إنتاج العلوم. مَن يرفض العِلم والتفكير العلمي يبقى سجيناً للعقائد والمعتقدات والسلوكيات الماضوية لأنَّ العِلم عملية تصحيح مستمرة لِما نعتقد فيخلو بذلك من أية يقينيات لا تقبل الشك والمراجعة والاستبدال ما يُحرِّرنا من يقينياتنا الكاذبة ومن معتقدات وسلوكيات الماضي. هكذا العِلم عملية تحرّر مستمرة. فالعِلم هو الآلية الأساسية لبناء الحرية وسيادتها.

الفكر العلمي سبيل التحرّر من الثنائيات المخادعة التي تُقسِّم المجتمع وتؤدي إلى التعصب والعنصرية فالصراعات والحروب. فالثنائيات كثنائية المُقدَّس والمُدنَّس وثنائية الحلال والحرام وثنائية المؤمن والكافر ليست علمية لأنها ليست ضمن قوانين الطبيعة التي تدرسها العلوم الطبيعية. بذلك بالعِلم نتحرّر من تلك الثنائيات التي لا تُنتِج سوى التفرقة والتمييز والتعصب والفِتَن والحروب. هكذا العِلم هو السبيل الوحيد لإحلال السلام الحقيقي. لا عِلم بلا سلام ولا سلام بلا عِلم. فالعِلم والسلام يُشكّلان حقلاً وجودياً واحداً لا يتجزأ ألا وهو حقل القِيَم الإنسانية.

ثراء الأمم

أما ثراء الأمم فكامن في رأسمالها العلمي الذي يُقاس بمدى قبول العِلم والمشاركة في صياغة العلوم. لذلك ما زال العالَم العربي فقيراً رغم امتلاكه للموارد الطبيعية الغنية وذلك لغياب الرأسمال العلمي. فعدم قبولنا للعِلم والمشاركة في إنتاجه أدى إلى فقر أمتنا. فالرأسمال العلمي أساس بناء أية حضارة لأنه مصدر المعارف والسلوكيات المتعدّدة والمتنوّعة (بِتنوّع واختلاف النظريات العلمية ومناهجها) المؤدية لا محالة إلى قبول الآخرين فالمؤسِّسة للحريات وأنواع المساواة المختلفة من جراء تعدّدية العِلم وتنوّعه وخلوه من اليقينيات والتعصب. فالعلوم والحرية والمساواة تُشكّل حقلاً وجودياً واحداً هو حقل الوجود الحضاري. 

السؤال الأساسي هو التالي: لماذا تفشل الثورات العربية في التحرّر من الأنظمة الديكتاتورية والتحوّل إلى الديمقراطية بمعناها الكامن في حُكم الحقوق الإنسانية واحترامها كحق كل فرد في التمتع بالحرية والمساواة؟ إذا نظرنا إلى العالَم العربي فسنجد أنَّ غياب إنتاج العلوم أو المشاركة في إنتاجها هو القاسم المشترك بين المجتمعات العربية ما يدلّ على أنَّ هذا الغياب العلمي مرتبط سببياً بغياب الديمقراطية والحرية والمساواة. بذلك فشل الثورات العربية سببه غياب الثورة العلمية. فالمجتمعات الغربية نجحت في التحوّل إلى الديمقراطيات وسيادة الحقوق الإنسانية حين حققت انجازاتها العلمية. مع الثورة العلمية في الغرب نجد تاريخياً نشوء الديمقراطيات الغربية ما يؤكِّد على أنَّ الثورة العلمية هي أساس بناء الديمقراطية ومصدر احترام مبادىء المساواة والحرية. من هنا كلما تطوّر المجتمع في صياغة العلوم إزدادت سيادة الحرية والمساواة فيه. بِالعِلم نحيا أحراراً ونَسُود وبِالجهل الكامن في التعصب لليقينيات تموت الأمم وتزول.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *