في الذكرى العاشرة لغيابه… الموسيقار وليد غلمية والتفاني في العطاء

Views: 1200

 سليمان بختي

 

نتذكر الموسيقار وليد غلمية (1938-2011) في الذكرى العاشرة لغيابه- المؤلف الموسيقي المبدع وصاحب الفضل في وضع لبنان على خريطة الفرق السمفونية في العالم. ولد في العام 1938 في جديدة مرجعيون ومن أسرة عرفت بالعلم والثقافة. توفي والده وهو في السادسة فرعته والدته. ارثه الأجمل كان الكمان والماندولين اللذان تركهما الوالد في فناء الدار، ورحل.

روى لي في حوار لكتابي “إشارات النص والإبداع” (1995) انه حين كان يسمع الغرامافون في بيته طفلاً لا يعرف إلى أين يأخذه الصوت”.

تحكمت بنشأته ثلاثة عوامل: الموسيقى في البيت الوالدي، بلدة مرجعيون بحبها للعلم والصحف، وشغفه بالكتب والمطالعة. اكتشف الكمان في البيت وأتقن العزف لوحده. درس بدايةً الموسيقى على يد المبشر غزال شمعون ثم تابع درسه في مدرسة الفنون صيدا وفي مدرسة الانكليز. فإلى الجامعة الأميركية. وفي المقابل تابع دراسة الموسيقى في الكونسرفاتوار على يد الانكليزي دولدرج وتوفيق سكر وعلى يد سامي الصليبي في الميوزيك سنتر في رأس بيروت. ثم دخل قسم الموسيقى في الجامعة الأميركية بإشراف الأستاذين كارانتوكوف واتينوف. عام 1958 تعرض لحادثة كسر في اصبعه أثناء ممارسته كرة القدم فقضت هذه الحادثة على طموحاته بالعزف فتوجّه إلى دراسة التأليف الموسيقي على يد سلفادور عرنيطة وديانا سعيد تقي الدين. أكمل تخصصه في الولايات المتحدة على يد الايطالي ميسيلي والدكتور روبير شتاين. عاد إلى لبنان ليعمل في البان أميركان وممارسة التعليم في المدارس. ظلّ همّه الموسيقي متقداً فلحن بعض المقطوعات الموسيقية والأغاني للمطربة فيكي كرابيديان. تزوج من الهام نده. ولما تيسرت الفرصة عاد إلى أميركا متابعاً الدراسة ونال الدكتوراه في الموسيقى (علوم وقيادة وتأليف) وكان عنوان أطروحته “التأليف الموسيقي في الشرق الأوسط منذ ما قبل المسيح حتى اليوم”.

كان له مساهمة أساسية في زمن المهرجانات في لبنان وأولها. “عذارى افقا” (1962)، “الشلال” (1963) مع صباح كتابة يونس الابن ولفت النظر بأغنية “يسلم لنا لبنان” و”البيصير يصير” وغيرها، وقاد الفرقة الموسيقية.

“مسبحة ستي” (1963) اهدن، غناء ماري بشارة، “أرضنا إلى الأبد” (1964) مع فرقة الأنوار (عمل مشترك). “هاك الغريبة” (1964) اهدن، غناء سامية كنعان تأليف يونس الابن. “نهر الوفاء” (1965) مع وديع الصافي ونجاح سلام. تأليف يونس الابن وقاد الفرقة الموسيقية المؤلفة من 250 فناناً. “أحلام الأرز” (1965) الأرز، مع فرقة موال ناديا جمال وجوزف عازار وغنى عصام رجي من ألحانه أغنية “الشحرور” لجبران. “ميجانا” (1966) (مسرح فينيسيا) وقدمت في 25 مدينة فرنسية وعلى مسرح الاولمبيا – باريس بقيادة وليد غلمية. “الليالي اللبنانية” (1967) مهرجانات بعلبك مع صباح وغنت له “نور نور يا لبنان”. “القلعة (1968) بعلبك مع صباح ونضال الأشقر. وغنت صباح من ألحانه “رجعنا” و”قلعة كبيرة” و”يا مسافر وقف ع الدرب” وأيضاً جوزف عازار. “قالوا انطوى سيف البطل” وسمير يزبك “وينك يا خيال نزال” وعصام رجي “قديش قضينا سوا”. وعرفت نجاحاً. ويومها كتب سمير عطالله في “النهار”: “كان وليد غلمية المجدد والمتجدد الوحيد، كما كان الناجح الدائم الوحيد”.

“الوهم” (1970) جبيل مع صباح ونصري شمس الدين وغنت صباح من ألحانه “دار الوفا” “شو بدك اعمل” و”درجي دوسا دو باره”. “يا ليل” (1971) جبيل مع فدوى عبيد واعنية “ميلي ع ميالي” ووقع وليد غلمية 27 لحناً بين أغنية ودبكة وموسيقى تعبيرية. “رقص السنابل” (1971) فالوغا في 24 لوحة. وكان له مشاركات في مسرحيات صباح ومنها “ست الكل” (1974) ستاركو وغنت له صباح “زقفة زقفة يا شباب” و”مسيناكم مسونا” وغيرها. وشارك بألحانه في مسرحية “حلوي كتير” (1975) لصباح في ستاركو وكانت له المقدمة الموسيقية واغنية “مرحبا يا حبايب”. ولحن من كلمات سعيد عقل “قبلك ما كان وجود” وغنتها فيكي كرابيديان.

وضع وليد غلمية الموسيقى التصويرية للعديد من المسرحيات والأفلام. “مجدليون” (1965) لروجيه عساف ونضال الأشقر و”الزنزلخت” (1965) لعصام محفوظ و”اعرب ما يلي” (1970) ليعقوب الشدراوي و”الستارة” (1973) لرضا كبريت وميشال نبعة و”شربل” (1977) لريمون جبارة و”ميخائيل نعيمة” (1978) ليعقوب الشدراوي، “جبران” (1981) ليعقوب الشدراوي، و”الوطواط” (1983) ليعقوب الشدراوي، و”بلا لعب ولاد” (1992) ليعقوب الشدراوي.

وللافلام، الفيلم الأميركي “جواز سفر إلى اوبلفيون” (1965) والفيلم الكندي “سر الحياة” وفيلم “كفر قاسم” (1974) لبرهان علويه و”بيروت يا بيروت” (1975) لمارون بغدادي وفيلم “القادسية” (1978) لصلاح أبو سيف.

كتب وليد غلمية العديد من المقطوعات الموسيقية التعبيرية مثل “سر الحياة” و”حلم” و”المعركة: مع باليه ميونيخ في دار اوبرا ميونيخ.

كما تعاون في وضع الموسيقى لرقصات فرقة كركلا ومنها: “الخيام” (1978) و”طلقة نور” (1980) و”حكاية كل زمان” (1982) و”حلم ليلة شرق” (1992) و”إليسا ملكة قرطاج” (1995).

كما جمع وليد غلمية العديد من المقطوعات الموسيقية في اسطوانات مثل “ليالينا” و”موسيقى شرقية” و”الشحرور” و”موليا” و”مرايا الحنين” (من أدب ميخائيل نعيمة) و”قوافل الزمان” من أدب توفيق يوسف عواد. و”غناء الحروف: أنا الالف” حكايات للأطفال للشاعر حسن عبدالله. “ملحمة القطار الأخضر” للشاعر سليمان العيسى. كما لحن النشيد الوطني العراقي “ارض الفراتين” من 1981 إلى 2003. وهو لحن حوالي 72 نشيداً منها “ما هم أن نموت في دولة صرخة الحرب” لهنري حاماتي وعصام محفوظ ونشيد “باسم الشعب” لسليمان العيسى و”زهرة النيران” لمظفر النواب ونشيد “نار الشموع الخمسيني” لبلند الحيدري. ونشيد “مرحبا يا معارك العصر” لشفيق كمالي. ولكن النقلة المهتمة في مسيرته الموسيقية هي كما قال توفيق الباشا “عندما حطّ على الجذع المتين من الموسيقى الكبيرة وأعني السمفونيات”. وكانت “القادسية” (1976)، “المتنبي” (1978)، “اليرموك” (1979) و”الشهيد” (1982)، “المواكب” (1983) والأخيرة “الفجر” (2005) وأهداها إلى رائد النهضة أنطون سعادة. وكان قد شرع بتأليف السمفونية السابعة ولكنه لم يكملها. إضافة إلى الكثير من المحاضرات والدراسات في تاريخ الفولكلور والموسيقى اللبنانية والمقالات المتفرقة والتي يجب جمعها في كتاب.

وقد أحصت الباحثة جيزيل بو سمعان عيد في كتابها “الموسيقار وليد غلمية” (2013) أكثر من 320 عملاً موسيقياً مؤلفاً لوليد غلمية وثمة تسجيلات استحال الوصول إليها.

عين عام 1991 رئيساً لمجلس إدارة الكونسرفاتوار وتجلت نجاحاته في وضع المناهج الحديثة وتفعيلها وتحقيق الأحلام. وفي عهده عرف لبنان أكثر من 8 فروع للكونسرفاتوار. وافتتح عام 2000 ولأول مرة في لبنان فرعاً للمعهد في سجن رومية. والاهم، أطلق الاوركسترا الوطنية اللبنانية في 1997 والاوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية (2000) والاوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية.

عام 1983 و1984 و1994 كان قائداً للفرقة الموسيقية لفيروز في جرش واوستراليا وساحة البرج.

كان وليد غلمية يصر على أن الموسيقى هي علم محض وعندما يحصل الإبداع تصبح فناً. وكان حلمه الأوسع أن يأخذ التأليف الموسيقي مداه الأوسع في بلادنا وعندها نتقدم.

كان وليد غلمية عضواً في المجامع العلمية الموسيقية العربية والاجنبية والدولية. وكان أستاذاً زائراً في جامعة كنساس، الولايات المتحدة. وحاز الجائزة الأولى في كندا عن مقطوعة اسمها “الحياة الفائضة”. ونال عام 1993 وساماً وطنياً من رتبة فارس. ووسام بولس وبطرس من البطريرك هزيم تقديراً لأعماله الرائعة. ونال عام 2006 وسام الشرف المذهب من النمسا. وعام 2011 وبعيد وفاته حاز وسام الأرز الوطني من مرتبة كومندوز.

ظل وليد غلمية يعمل بالزخم القوي والهمة العالية وكانت آخر مشاركاته في مهرجانات بيت الدين قائداً للاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية المؤلفة من 115 عازفاً. كان جزلاً بعطائه. وقال: “أريد أن أكون كوناً في الكون وعالماً في العالم وشعاعاً من نوره”. وكلمتي الاحب: “أنا اعمل”.

أصيب فجأة بعارض ونقل على أثره إلى المستشفى ليعاني مرض سرطان الكبد وتوفي في مستشفى الجامعة الأميركية في 7 حزيران 2011. كان موته مطابقاً لحدسه وهو الذي أجاب على سؤال له، ممَّ تخاف؟ أجاب: “اخاف أن امارس الحياة وبشكل مفاجئ تقطعني عن التواتر الذي أسير فيه”.

غاب بعد أن وضع لبنان على خريطة الفرق الموسيقية العالمية. وبعد أن ملأ فضاء لبنان بالالحان واطمئن إلى مستقبل اجيال الموسيقى في لبنان.

يبقى وبعد مرور 10 سنوات على وفاته لا تزال أبحاثه غير منشورة وبعض أعماله غير مدونة. ولا طابع باسمه. ولا  قاعة بالكونسرفاتورا باسمه. ولا شارع في بلدته باسمه.

ولكن أنّى للاقزام في بلادنا أن يرتقوا إلى مستوى الكبار. نرفع التحية له مذهولين بالانجازات والعطاء الكبير والتفاني لرفعة لبنان ونهضته.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *