وَشمٌ صَباحِيٌّ (149)

Views: 212

د. يوسف عيد

في وداع الأستاذ ادوار الزغبي، ابن بلدتي بزيزا، ماذا عساي أقول بعد ما مُلئت صفحات الأرض بالكلام عليه، وسمت معه،  لتكتب على صفحات الأبد حروف الخلود ؟

ترك لنا الأستاذ ” أحزانًا تحت الأصابع “، فكنتُ أتساءل عن هَول هذه الأحزان، وكيف يخبئها تحت أصابعه، وما هي تلك المقدرة على كتمها ؟ ومن أين له تلك السكينة التي تلفُّه حتى يخفيها تحت أصابعه ؟ حتى رأيته مرّة يكيلُ دربَه بين منزله ومار الياس، في هدوء، وتأمل، وانخطاف، وصلاة،  فعرفت عند ذاك، من أين يأتي  الصمتُ البليغُ في عبارته السلسةِ، الطازَجةِ، المتواضعة الهفّافة، النقيّة.

ذلك الدّربُ الذي سيشتاق إليه  بين اللّوز، والقَندول، والزيتون، وقرميد الكنيسة، وعصفور الدوريّ الذي عَشقَه حتى لقّب حفيدَه به. نعم، سيفتَقِدُ الدّربُ خطواتِك وابتساماتِك  وسَبْكَ حروفِك المتهاديةِ في صَمتِ كلامِك على الأحزان.

هناك الشّعرُ يتأبَّط خيالَك ويتنشّق سِحرَ عاطفتِك المتماشيةِ وشروشِ السّنديان الذي يعانق تلك الكنيسة التي كانت تسجِّلُ لكَ وشوشاتِك الصادقة.

هناك، حينَ يزهرُ اللّوزُ سينشِدُ صمتَك البليغَ،  في أدبك وأخبارك اليوميّة. هذا سرّ وداعةِ أدبِك وبلاغةِ شِعرك.

أحزانك أيها الأستاذ، حقيبة رجاء لنا،  نعود إليها، نحن السائرين على دروب بزيزا الحبيبة، نقطفُ من لهاثها الذي يضمّ  أرواحَ العابرين زهورًا توضع على صليب القيامة في جُمعتِنا العظيمة.

أيها العابرُ في أربعاء أيوب، المؤمن بخلاص الإنسان،  نرفع صلواتنا الى المسيح الذي علّق على خشبة الخلاص أن يهبَك خلاصَه ويضمَّك الى ملكوته. يكفي أننا تعلّمنا منك الصمتَ في الكلام، والرزانةَ في المَقام،  فارقد الآن في زهر الخزام، على ذلك الدرب المقدس، واهب السلام.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *